للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه وسلم، وَأَمَّرَ (١) عَلَيْنَا أَبَا عُبَيْدَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ نَلْتَقِي عِيرَ (٢) قُرَيْشٍ وَزَوَّدَنَا جِرَاباً مِنْ تَمْرٍ لَمْ نجِدْ لَنَا غَيْرَهُ، فَكَانَ أَبُو عُبَيْدَةَ يُعْطِينَا تَمْرَةً تَمْرَةً، فَقِيلَ: كَيْفَ كُنْتُمْ تَصْنَعُونَ بِهَا؟ قَالُوا: نَمَصُّهَا كَما يَمَصُّ الصَّبِيُّ، ثُمَّ نَشْرَبُ عَلَيْهَا مِنَ الْمَاءِ فَتَكْفِينَا يَوْمَنَا إِلى اللَّيْلِ، وَكُنَّا نَضْرِبُ بِعِصِيِّنَا (٣)

الْخَبَطَ، ثُمَّ نَبُلُّهُ فَنَأْكُلُهُ، فَذَكَرَ الْحَدِيثَ. رواه مسلم.

١٥٥ - وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ: أَنَّهُ أَصَابَهُمْ جُوعٌ وَهُمْ سَبْعَةٌ، قالَ: فَأَعْطَانِي النَّبِيُّ صلى اللهُ عليه وسلم سَبْعَ تَمَرَاتٍ لِكُلِّ إِنْسَانٍ تَمْرَةٌ. رواه ابن ماجة بإسناد صحيح.

١٥٦ - وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِيرِينَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ قالَ: إِنْ كَانَ الرَّجُلُ مِنْ أَصْحَابِ


(١) جعله أميراً، يقال أمرته تأميراً فتأمر، وأمرته فائتمر: أي سمع وأطاع.
(٢) إبلاً بأحمالها آتية من الشام.
(٣) ضرب الشجر بالعصا ليتناثر ورقها، واسم الورق الساقط خبط بالتحريك فعل بمعنى مفعول، وهو من علف الإبل. قوم غزاة على رأسهم سيدنا أبو عبيدة يذهبون إلى الجهاد ولمحاربة الكفار ويصدون تجارتهم ويمنعون سيرهم، ويظهرون هيبة الإسلام وشوكته وسلطانه ويخيفون عدو الدين، ومع هذا طعامهم تمرة تمرة، ويا ليتها تؤكل بل تمص، هذا هو سر الزهد. يحاربون لنصر دين الله لا طمعاً في مال أو غنيمة ويدخرون ما عند الله، وبهؤلاء سطع نوع الإسلام وتأسست أركانه وثبتت قواعده لإيمانهم بالله ورسوله، ولأن القرآن أثمر وترعرعت أفنانه فعلموا [كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة فمن زحزح عن النار وأدخل الجنة فقد فاز، وما الحياة الدنيا إلا متاع الغرور (١٨٥)] من سورة آل عمران.
وعد ووعيد للمصدق والمكذب (زحزح) بعد ونجا ولم يغتر بلذات الدنيا وزخارفها، شبهها بالمتاع الذي يدلس به على المستام ويغر حتى يشتريه، هذا لطالب الدنيا.
يذكر في هذا التفسير قول الله تبارك وتعالى [الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح للذين أحسنوا منهم واتقوا أجر عظيم (١٧٢)] من سورة آل عمران.
[القرح] الجرح [الذين قال لهم الناس إن الناس قد جمعوا لكم فاخشوهم فزادهم إيماناً وقالوا حسبنا الله ونعم الوكيل (١٧٣) فانقلبوا بنعمة من الله وفضل لم يمسسهم سوء واتبعوا رضوان الله والله ذو فضل عظيم (١٧٤)] من سورة آل عمران.
روي أن أبا سفيان وأصحابه لما انصرفوا من أحد فبلغوا الروحاء ندموا وهموا بالرجوع فبلغ ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فأراد أن يرهبهم ويريهم من نفسه وأصحابه قوة، فندب النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه للخروج في طلب أبي سفيان فخرج يوم الأحد من المدينة مع سبعين رجلاً حتى بلغوا حمراء الأسد، وهي من المدينة على ثمانية أميال، وكان بأصحابه القرح فألقى الله الرعب في قلوبهم فذهبوا.
هذا نوع من قتال أصحابه صلى الله عليه وسلم؛ لترى أيها القارئ اعتماد المجاهدين على الله وثقتهم به سبحانه، والزهد في الدنيا لثواب الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>