للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلِيدَةً بِمِائَةِ دِينَارٍ إِلى شَهْرٍ (١) فَسَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم يَقُولُ: أَلاَ تَعْجَبُونَ مِنْ أُسَامَةَ الْمُشْتَرِي إِلى شَهْرٍ (٢) إِنَّ أُسَامَةَ لَطَوِيلُ الأَمَلِ، والّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا طَرَفَتْ عَيْنَايَ إِلاّ ظَنَنْتُ أَنَّ شُفَرَيَّ (٣) لاَ يَلْتَقِيَانِ حَتَّى يَقْبِضَ اللهُ رُوحِي، وَلاَ رَفَعْتُ قَدَحاً (٤) إِلى فِيَّ، فَظَنَنْتُ أَنِّي وَاضِعُهُ حَتَّى أَقْبَضَ، وَلاَ لَقَمْتُ لُقْمَةً إِلاَّ ظَنَنْتُ أَنِّي لاَ أُسِيغُهَا (٥) حَتَّى أُغَصَّ بِهَا (٦) مِنَ الْمَوتِ، وَالّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ إِنَّمَا تُوعَدُونَ لآتٍ (٧)، وَمَا أَنْتُمْ بِمُعْجِزِينَ (٨). رواه ابن أبي الدنيا في كتاب قصر الأمل، وأبو نعيم في الحلية، والبيهقي والأصبهاني.

كن في الدنيا كأنك غريب أو عابر سبيل

١٧ - وَعَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا قالَ: أَخذَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم بِمَنْكِبي فَقَالَ: كُنْ في الدُّنْيَا كَأَنَّكَ غَرِيبٌ أَوْ عَابِرُ سَبيلٍ (٩)،

وَكَانَ


(١) مدة شهر.
(٢) إن له رجاء في طول العمر.
(٣) طرفيهما.
(٤) كوب ماء.
(٥) أزدردها بسهولة وأطعمها.
(٦) أصاب بشرق فالسائغ لا يغص شاربه، يقال غصصت بالماء أغص غصصاً فأنا غاص وغصان إذا شرقت به أو وقف في حلقك فلم تكد تسيغه أهـ نهاية.
(٧) لمدرككم.
(٨) بمتأخرين.
(٩) وضع يده الشريفة على مجمع عضد الكتف ثم نصحه أن تكون حاله في حياته مثل الأجنبي الذي فارق وطنه ليقضي عملاً له ثم يرجع، أو المسافر المار مرور السحاب، وفي الجامع الصغير شبه الناسك السالك بالغريب الذي ليس له مسكن يأويه ثم ترقى وأضرب عنه إلى عابر سبيل، لأن الغريب قد يسكن في بلد الغربة بخلاف عابر السبيل، وهذا الحديث أصل في الحث على الفراغ من الدنيا والزهد فيها والاحتقار لها والقناعة فيها بالبلغة. وقال النووي: معنى الحديث لا تركن إلى الدنيا ولا تتخذها وطناً ولا تحدث نفسك بالبقاء فيها ولا تتعلق منها بما لا يتعلق به الغريب في غير وطنه. وقال غيره عابر السبيل هو المار على الطريق طالباً وطنه، فالإنسان كعبد أرسله سيده في حاجة فحقه أن يبادر لقضائها، ثم يعود إلى وطنه. قال العلقمي: أي اعمل ما تلقى نفعه بعد موتك وبادر أيام صحتك بالعمل الصالح، فإن المرض قد يطرأ فيمنع من العمل فيخشى على من فرط في ذلك أن يصل إلى المعاد بغير زاد ولا يعارض ذلك الحديث "إذا مرض العبد أو سافر كتب الله تعالى له من الأجر مثل ما كان يعمل صحيحاً مقيماً" لأنه ورد في حق من يعمل، والتحذير الذي في حديث ابن عمر في حق من لم يعمل شيئاً فإنه إذا مرض ندم على ترك العمل وعجز لمرضه عن العمل فلا يفيده الندم. قال بعض العلماء كلام ابن عمر منتزع من الحديث المرفوع، وهو متضمن لنهاية قصر الأمل .. وقال الحفني: غريب لأن شأن الغريب عدم السكون والطمأنينة، بل دائماً قلبه متعلق بالرجوع لوطنه فهو قد ذهب في الغربة ليكتسب لأهله ما يتبسط به في وطنه فينبغي للمؤمن أن يكون مسارعاً في اكتساب ما ينفعه في وطنه الدائم، وهو الآخرة، فإن من اشتغل في غربته باللهو واللعب، ولم يكتسب رجع إلى أهله ووطنه بدون ربح فيعيش معهم في كدر وتعب ونكد، فكذا من اشتغل بالدنيا بهوى نفسه رجع إلى الآخرة صفر اليدين فلم يجد ما ينفعه، بل يضره. عابر طريق فإنه ينزع حينئذ لعدم محل يأويه ولخوف من الحشرات والوحوش فهو إضراب ومبالغة في شدة التعلق بالآخرة والاقتصار من الدنيا على ما لا يتعلق به.

<<  <  ج: ص:  >  >>