للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: إِنَّ الرَّجُلَ لَيَعْمَلُ بِعَمَلِ أَهْلِ الْخَيْرِ (١) سَبْعِينَ سَنَةً. فَإِذَا أَوْصَى خَافَ (٢)

في وَصِيَّتِهِ فَيُخْتَمُ لَهُ بِشَرِّ عَمَلِهِ فَيَدْخُلُ النَّارَ، وَإِنَّ الرَّجُلَ


= من تحتها الأنهار خالدين فيها وذلك الفوز العظيم. ومن يعص الله ورسوله ويتعد حدوده يدخله ناراً خالداص فيها وله عذاب مهين (١١)] من سورة النساء.
(غير مضار) أي غير مضار لورثته بالزيادة على الثلث أو قصد المضارة بالوصية دون القرابة والإقرار بدين لا يلزمه (وصية) أي لا يضار وصية من الله وهو الثلث فما دونه بالزيادة أو وصية منه بالأولاد بالإسراف في الوصية والإقرار الكاذب (والله عليم) بالمضار وغيره (حليم) لا يعاجل بعقوبته (تلك) إشارة إلى الأحكام التي قدمت في أمر اليتامى والوصايا والمواريث (حدود الله) شرائعه التي هي كالحدود المحدودة التي لا يجوز مجاوزتها. أهـ بيضاوي.
(١) بعمل أهل الخير كذا ط وع ص ٤٠٠ - ٢ وفي ن د: بعمل الخير.
(٢) جار وظلم وسواء كان حاكماً أو غير حاكم فهو خائف. يذكر في هذا الحديث والذي قبله (عار في الدنيا) حادثة شاهدتها أنا بنفسي، وذلك أنه تقرب إلي رجل هرم اشتغل رأسه شيباً وأدركه الكبر فأراد أن يوصي فأحضرت له كتاب الوصايا من البخاري وقرأت عليه هذا الموضوع فصمم على تنفيذ عمله وأحضر الكاتب الأول في المحكمة الشرعية وأوصى بما يملك لواحد دون آخر. ماذا كانت النتيجة؟. شهرة جائرة وعمل فاضح وعدم ويتم وسخط وغضب ودعاء بالويل والثبور وقضايا من أعز الأصحاب وأقرب الأقرباء والالتجاء إلى المحاكم في إبطال ما عمله الميت وخصام وشقاق ونفور وحرب وهكذا مما تخجل له الإنسانية فلا حول ولا قوة إلا بالله؛ وهذه الحكمة المشرقة المتلألئة تتجلى ثمرتها للعاملين في قوله تعالى [وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين] ومن الرحمة بيان ما ينفع الناس في دينهم ودنياهم وما يجلب لهم الذكر الحسن والصيت الطيب والعمل الصالح والاتحاد والمحبة والوفاق، وأعتقد لو كان ذلك الشيخ الهرم سعيداً لوفقه الله إلى عدم الأثرة والاستبداد وتفضيل أحد أولاده عن الآخرين ولحفظ الله سيرته من الذم وماله من الضياع وابنه من الخصام.
وحادثة ثانية يزيدها كر الجديدين عظة واعتباراً، وهي تدعو العقلاء إلى عض النواجذ على العمل بالكتاب والسنة والتمسك بآدابهما وعقد الخناصر على إقامة شعائر دين الله، رجاء سعادة الدارين. رجل أحسبه صالحاً كتب أرضه لابنيه، وحرم بناته وتوفي. أي عار الدنيا كما قال صلى الله عليه وسلم لقد أغنى الله البناء عن هذا التراث، وأنا أشهد ذلك وافتقر الولدان وتعاملا بالربا وتجمد عليهما مبلغ أخذ ما يساوي نصيب البنات، وأعتقد لولا هذه الوصية الجائرة لاتفق الورثة وساد الوفاق، وعم الوئام، ولبارك الله في أولاده فاتبعوا منهج والديهم كرماً وصلاحاً وتقوى؛ ولكن حصل جشع وطمع وفشا الربا فضيع الحلال فلا حول ولا قوة إلا بالله.
حادثة ثالثة: شيخ صالح تقي يشهد له عمله البار وجد اثني عشر فداناً من والده ففكر في أصل الثروة فرأى أن والده له أخوان يعملان ويجدان ويزرعان معه فخاف الله وقسم العقار ثلاثة أقسام ورضي بالثلث واختار ما عند الله وترك أولاده فقراء: ولكن الرزاق موجود، والوهاب حي فكبر الأولاد وبارك الله فيهم وضاعف ثروتهم وأغناهم، ومصداق ذلك قوله تعالى:
أ -[وليخش الذين لو تركوا من خلفهم ذرية ضعافاً خافوا عليهم فليتقوا الله وليقولوا قولاً سديداً]
ب -[وكان أبوهما صالحاً].
جـ -[كلوا من الطيبات] ولقد شرحت هذه الحوادث الثلاثة قوله صلى الله عليه وسلم (إذا أوصى خاف) ليتنبه المسلمون لأداء حقوق العباد ولتحري الحلال كما قال تعالى:، ألم تر كيف فعل ربك بعاد (٥) إرم ذات العماد (٦) التي لم يخلق مثلها في البلاد وثمود الذين جابو الصخر بالواد (٧) وفرعون ذي الأوتاد. إلى قوله تعالى: إن ربك لبالمرصاد (١٤)] من سورة الفجر. وإن هذا درس تعلمته في حياتي، وأحمد ربي وأشكر له هدايته إذ دعيت لكتابة عقد الحرمان والتفضيل فأبيت، وكنت في إبان العقد الثالث من عمري، =

<<  <  ج: ص:  >  >>