للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَهِيَ سَوْدَاءٌ مُظْلِمَةٌ لا يُضِيءُ شَرَرُهَا، وَلاَ يُطْفَأُ لَهَبُهَا، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ أَنَّ قَدْرَ ثُقْبِ (١) إِبْرَةٍ فُتِحَ مِنْ جَهَنَّمَ لَمَاتَ مَنْ فِي الأَرْضِ كُلُّهُمْ جَمِيعاً مِنْ حَرِّهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ أَنَّ خَازِناً مِنْ خَزَنَةِ جَهَنَّمَ بَرَزَ (٢) إِلى أَهْلِ الدُّنْيَا لَمَاتَ مَنْ في الأَرْضِ كُلُّهُمْ من قُبْحِ وَجْهِهِ (٣)، وَمِنْ نَتْنِ (٤) رِيحِهِ، وَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ أَنَّ حَلْقَةً مِنْ حِلَقِ سَلْسِلَةِ أَهْلِ النَّارِ الَّتِي نَعَتَ اللهُ في كِتَابِهِ (٥) وُضِعَتْ عَلَى جِبَالِ الدُّنْيَا لأَرْفَضَتْ (٦) وَمَا تَقَارَّتْ (٧) حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلى الأَرْضِ السُّفْلَى، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: حَسْبِي (٨) يَا جِبْرِيلُ لاَ يَنْصَدِعُ قَلْبِي فَأَمُوتَ! قال: فَنَظَرَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم إِلى جِبْرِيْلَ وَهُوَ يَبْكِي، فَقَالَ: تَبْكِي يَا جِبْرِيلُ وَأَنْتَ مِنَ اللهِ بِالمكانِ الَّذِي أَنْتَ بِهِ (٩)؟ فَقَالَ: وَمَالِي لا أَبْكِي؟ أَنَا أَحَقُّ بِالْبُكَاءِ لَعَلِّي أَكُونُ فِي عِلْمِ اللهِ عَلَى غَيْرِ الْحَالِ الَّتِي أَنَا عَلَيْهَا، وَمَا أَدْرِي لَعَلِّي أُبْتَلَى بِمَا ابْتُلِيَ بِهِ (١٠) إِبْلِيسُ (١١) فَقَدْ كَانَ مِنَ الْمَلائِكَةِ، وَمَا أَدْرِي لَعَلِّي أُبْتَلَى بِمَا ابْتُلِيَ بِهِ هَارُوتُ وَمَارُوتُ (١٢). قالَ: فَبَكَى


(١) أي لو فتح من جهنم على العالم أجمع قدر ثقب الإبرة لهلك النبات والشجر والحيوان من شدة لهبها.
(٢) ظهر.
(٣) رداءة هيئته ودمامته.
(٤) جيفة قذرة. نتن الشيء نتونة ونتانة فهو نتين ونتن نتنا.
(٥) [ثم في سلسلة ذرعها سبعون ذراعاً فاسلكوه (٣٢)] من سورة الحاقة.
طويلة أي فأدخلوه فيها بأن تلقوها على جسده، وهو فيما بينها مرهق لا يقدر على حركة.
(٦) تركت، من رفضته رفضاً.
(٧) استقرت أي لم يوجد لها قرار، يقال قر الشيء استقر، والاستقرار التمكن.
(٨) كافيني ما رأيت خشية أن ينفطر قلبي وينشق فؤادي ويطير لبي فرقاً، ويذهب شعاعاً خوفاً من النار.
(٩) الدرجة العظيمة المقربة إلى الله تعالى الآمنة.
(١٠) اختبر.
(١١) طلب الله منه أن يسجد لآدم فامتنع كما قال تعالى: [وإذ قلنا للملائكة اسجدوا لآدم فسجدوا إلا إبليس أبى واستكبر وكان من الكافرين (٣٤)] من سورة البقرة.
أي امتنع عما أمر به استكباراً من أن يتخذه وصلة في عبادة ربه أو يعظمه ويتلقاه بالتحية أو يخدمه ويسعى فيما فيه خيره وصلاحه. الله أكبر لمحة من لمحات غضب الرب أخرجت إبليس من رضوان الله. وماذا عليه لو أطاع أمر به؟ ولكن غرور النفس حرمته من حظيرة القدس فلا حول ولا قوة إلا بالله، وانظر عذره كما حكى الله عنه [قال يا إبليس مالك ألا تكون مع الساجدين (٣٢) قال لم أكن لأسجد لبشر خلقته من صلصال من حمأ مسنون (٣٣) قال فاخرج منها فإنك رجيم (٣٤) وإن عليك اللعنة إلى يوم الدين (٣٥) قال رب فأنظرني إلى يوم يبعثون (٣٦) قال فإنك من المنظرين (٣٧) إلى يوم الوقت المعلوم (٣٨)] من سورة الحجر.
هكذا يكون الخوف من الله، وهكذا تكون النفوس المقربة إلى الله.
(١٢) ملكان أنزلا يعلمان الناس السحر ابتلاء من الله تعالى، من تعلمه منهم، وعمل به كان كافراً، والمطلوب أن يعلمه الإنسان، ليتوقى شره وليعرف الفرق بين المعجزة وهي الشيء الخارق للعادة من الله تعالى وفعل السحر: =

<<  <  ج: ص:  >  >>