ثم سيدنا سليمان عليه السلام كان يحارب أعداء الدين، ويغزو دمشق ونصيبين، واصاب ألف فرس، وقيل: أصابها أبوه من العمالقة. فورثها منه، فاستعرضها ليخبر صحتها، ويعرف مكامن ضعفها، ويبحث عن قوتها ونظافتها وخدمتها لأنها عدته في الحرب وأخر صلاة العصر. قال تعالى: ب - (ووهبنا لداود سليمان نعم العبد إنه أواب إذا عرض عليه بالعشى الصافنات الجياد. قال إنى أحببت حب الخير عن ذكر ربى حتى توارت بالحجاب) ترك فضيلة أول الوقت فقط، واستمر يحارب الأعداء حتى هزمهم وطلب من ربه تعالى تقدم الشمس حتى يصلى العصر في وقته، وقد أجاب الله دعاءه: (ردوها على فطفق مسحا بالسوق والأعناق) ٢٤ من سورة ص. ومعنى بالعشى: بعد الظهر، والصافن من الخيل: الذى يقوم على طرف سنبك يد أو رجل، وهو من الصفات المحمودة في الخيل الذى لا يكاد يكون إلا في العرب الخلص، والجياد: جمع جواد الذى يسرع في جريه، قال صلى الله عليه وسلم: (الخيل معقود في نواصيها الخير) فسماها خيرا لأنها سبب النصر والفوز، فأخر صلاة العصر عن أولها، وكان يتفقدها فأخذ يمسح سوقها وأعناقها بيده الشريفة اعترافا بفضل الله ومدده والله أعلم. فانت ترى الصلاة جوهرة مكنونة، ودرة مسنونة، وتاج الصالحين، وعنوان الإيمان برب العالمين، ومطلب الأنبياء والمرسلين وركن الإسلام وعماد الاستقامة ونور الحق ومنهج الكمال، وسنة متبعة في إرضاء الخالق جل وعلا. قال تعالى: (ألم تر أن الله يسبح له من في السموات والأرض والطير صافات كل قد علم صلاته وتسبيحه والله عليم بما يفعلون) ٤٢ من سورة النور. قال البيضاوى: ألم تعلم علماً يشبه المشاهدة في اليقين، والوثاقة بالوحى أو الاستدلال (أن الله يسبح له من في السموات والأرض) ينزه ذاته عن كل نقص وآفة أهل السموات والأرض (والطير) لما فيها من الصنع الظاهر، والدليل الباهر، ولذا قيدها (صافات) فإن إعطاء الأجرام الثقيلة ما به تقوى على الوقوف في الجو صافة باسطة أجنحتها بما فيها من القبض والبسط حجة قاطعة على كلمال قدرة الصانع تعالى، ولطف تدبيره. قد علم الله دعاءه، وتنزيهه اختياراً أو طبعاً. وعلم كل على تشبيه حاله في الدلالة على الحق، والميل إلى النفع على وجه يخصه بحال من علم ذلك مع أنه لا يبعد أن يلهم الله تعالى الطير دعاء وتسبيحاً كما ألهمها علوما دقيقة في أسباب تعيشها لا تكاد تهتدى إليها العقلاء أهـ. (والله عليم بما يفعلون) سبحانه خبير بأحوال خلقه. إن شاهدنا: (كل قد علم صلاته وتسبيحه) فالشجر والمدر، وكل شئ يدعو الله، ويسبح بحمده، وقد جمعت الصلاة جميع أنواع الدعاء والتسبيح والتحميد والتكبير. وذكر الرافعى في مسند الشافعي رضي الله عنه أن الصبح كانت لآدم، والظهر لداود، والعصر لسليمان والمغرب ليعقوب، والعشاء ليونس. قال. قال الباجورى: وتخصيص كل بالصلاة في هذا الوقت لعله لكونه قبلت فيه توبته أو حصلت له فيه نعمة، وظاهر هذا أنها كانت على الكيفية المعروفة في هذه الأوقات مع أنهم ذكروا أن الكيفية المخصوصة من خصوصيات امة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، فلعلها لم تكن على هذه الكيفية وعن بعضهم ما فيه مخالفة لذلك، فقيل: كانت الظهر لإبراهيم وكانت العصر ليونس، وقيل: للعزير، وكانت المغرب لداود، وقيل: لعيسى، فصلى ركعتين كفارة لما نسب إليه وركعة كفارة لما نسب لأمه، وكانت العشاء لموسى؛ وقيل من خصوصيات نبينا صلى الله عليه وسلم، وهو الأصح. ويجاب عما ورد من أنها كانت ليونس أو لموسى، بأن المراد بالصلاة الواقعة منه حينئذ الدعاء، وعلى هذا فيكون الله جمع لنبينا صلى الله عليه وسلم ولأمته ما تفرق في الأنبياء وأممهم، وميز صلى الله عليه وسلم بزيادة عليهم تشريفا له، وتعظيما لأجره. زاده الله تشريفاً وتعظيماً وتكريماً أهـ ص ٣٠٣. =