شاهدنا (والله غنى حميد - والله يعدكم مغفرة منه وفضلا) أخبر الآمر جل وعلا أنه متصف بالغنى المطلق، وعنده كنوز الخيرات التى لاتنفذ، وغنى أيضا عن إنفاقهم، ومفاتيح السموات والأرض بيده وتحت أمره وإنما يأمر المسلمين بالزكاة لانتفاعهم، وتنمية أموالهم، وزيادتها حسا ومعنى مع نيل رحمة الله ورضاه والله حميد أي متصف بالمحامد كثير العطايا، وهو محمود سبحانه، وهنا تفضل سبحانه وتعالى فأرشد إلى إغواء الشيطان للبخيل يعده الفقر، ويخوفه من الإنفاق، والله يعده الغنى والسعة، وغفران الذنوب. شتان بين العدو الألد الذى ضل وأغوى وأضل، وبين الكريم الوهاب الذى أمر عباده المسلمين لينجحوا في الحياة، ولتثمر أموالهم في مشروعات البر وتنمو في الطاعات (الشيطان يعدكم الفقر) أي يخبركم بأسباب البخل، ويجعله بين أعينكم. ومن محاسن قول بعض المفسرين: إن معنى الفحشاء في القرآن: الزنا إلا هذه فمعناها البخل. والمعنى يغويكم ويخبركم بأمور يتسبب عنها البخل فيترتب على ذلك مطاوعتكم لله كمطاوعة المأمور للآمر، وسمى إخبار الشيطان بالفقر وعداً مع أنه وعيد لأنه شر ومشاكله لقوله: (والله يعدكم) أي على الإنفاق (مغفرة) لذنوبكم ورزقا خلفا منه. وفي الحديث: (إن الشيطان لمة بابن آدم وللملك لمة به، فأما لمة الشيطان فإيعاد البشر وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك فليعلم أنه من الله فليحمد، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان، ثم قرأ: (الشيطان يعدكم الفقر ويأمركم بالفحشاء) أخرجه الترمذي أهـ صاوى. فكأن المنفق موفق وقيد نعمه بطاعة الله لتزداد، وأحاطها بالخير لتنموا (لئن شكرتم لأزيدنكم) وإن النفس تميل إلى إطاعة السرى، وتحب معاملة الغنى، وهذا يتجلى في معاملة الناس في الدنيا، فما بالك بالمعاملة مع غنى حميد يعد مغفرة وفضلا، وهو الله جل جلاله، ولقد أخطأ الصحيح جاد الصواب، فقصر في الإنفاق، واتبع هواه وركب ظهره، فقاده الشيطان إلى هاوية الذل والخسران، ورماه في النار، وبئس القرار، وجره إلى الخراب والدمار، ولا بد أن يرى البخيل الكانز عاقبة ضياع ماله، أو تردى ذريته وأحفاده عاقبة البخل من ضياع التراث والميراث، ويذوقون الفقر ألواناً، وقد قال صلى الله عليه وسلم (حصنوا أموالكم بالزكاة). الدليل السابع: قال تعالى يخاطب المؤمنين (ياأيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يعفل ذلك فأولئك هم الخاسرون ١٠ وأنفقوا مما رزقناكم من قبل أن يأتى أحدكم الموت فيقول رب لولا أخرتنى إلى أجل قريب فأصدق وأكن من الصالحين ١١ ولن يؤخر الله نفساً إذا جاء أجلها والله خبير بما تعملون) أي لا يشغلكم تدبير الأموال والاهتمام بها عن الصلوات والطاعات، وأخرجوا بعض أموالكم ادخاراً للآخرة قبل أن يرى دلائل الموت فيطلب البخيل ويلح: هلا أمهلتنى فأتصدق وأعمل بالشرع؟ المعنى إن أطلت عمرى أتصدق، وأكن من الصالحين، فنصب الفعل بأن مضمرة وجوبا بعد فاء السببية في جواب العرض أو التمنى والجزم بالعطف على محل فأتصدق لملاحظة جزمها في جواب الطلب. لولا بمعنى هلا بمعنى العرض الذى هو الطلب بلين ورفق، وقيل: لازائدة ولو للتمنى. قال ابن عباس رضي الله عنه: ما قصر أحد في الزكاة والحج إلا سأل الرجعة عند الموت. إن شاهدنا (وأنفقوا) يطلب الله السرعة في الإنفاق للقادر المستطيع خشية دنوا الأجل، فينتقل المال إلى الورثة، ويصير في حوزة غيره. فيندم على تقصيره، ولات ساعة مندم. أما من أجاب الله ونفذ أمره فأنفق =