للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

. . . . . . . . . . . . . . . .


= مالا، فقال عليه الصلاة والسلام: ياثعلبة قليل تؤدى شكره خير من كثير لا تطيقه فراجعه وقال: والذى بعثك بالحق لئن رزقنى الله مالا لأعطين كل ذى حق حقه، فدعا له فاتخذ غنما فنمت كما ينمو الدود حتى ضاقت به المدينة فنزل واديا، وانقطع عن الجماعة والجمعة، فسأل عنه رسول الله صلى الله عليه وسلم: فقيل: كثر ماله حتى لا يسعه واد، فقال: ياويح ثعلبة، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم مصدقين لأخذ الصدقات فاستقبلهما الناس بصدقاتهم، ومرا بثعلبة فسألاه الصدقة وأقرآه الكتاب الذى فيه الفرائض، فقال: ماهذه إلا جزية ما هذه إلا أخت الجزية فارجعا حتى أرى رأيى فنزلت، فجاء ثعلبة بالصدقة، فقال النبى صلى الله عليه وسلم: إن الله منعنى أن أقبل منك، فجعل يحثو التراب على رأسه، فقال، هذا عملك قد أمرتك فلم تطعنى فقبض رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجاء بها إلى أبى بكر رضي الله تعالى عنه فلم يقبلها، ثم جاء بها إلى عمر رضي الله تعالى عنه في خلافته فلم يقبلها، وهلك في زمان عثمان رضي الله عنه أهـ.
أرأيت ثعلبة، وكان فقره نعمة، يؤدى الصلاة مع خير الخلق صلى الله عليه وسلم، فيلح ويطلب دعوة صالحة فيقول له صلى الله عليه وسلم: (أما لك في أسوة حسنة، والذى نفسي بيده لو أردت أن تسير الجبال معى ذهباً وفضة لسارت) (بخلوا به) منعوا حق الله منه (وتولوا) بعدوا عن طاعة الله، فجعل الله عاقبة فعلهم ذلك نفاقا، وسوء اعتقاد في قلوبهم - ويجوز أن يكون الضمير للبخل - والمعنى فأورثهم البخل نفاقا متمكنا في قلوبهم إلى يوم يلقونه جزاء أعمالهم بسبب إخلافهم ما وعدوه من التصدق والصلاح، وبكونهم كاذبين مخلفى الوعد (سرهم) ما أضمروه، وأسروه في نفوسهم (ونجواهم) وما يعلنون به فيما بينهم من المطاعن أو تسمية الزكاة جزية أهـ.
وهنا ذكر البيضاوى وغيره موازنة ما يؤيد أن الزكاة تعمر البيوت، وتزيد المال، وعدم إخراجها دمار شارحا قوله تعالى: (الذين يلمزون المطوعين من المؤمنين في الصدقات).
روى أنه صلى الله عليه وسلم حث على الصدقة فجاء عبد الرحمن بن عوف وقال: كان لى ثمانية آلاف درهم فأقرضت ربى أربعة، وأمسكت لعيالى أربعة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بارك الله لك فيما أعطيت، وفيما أمسكت، فبارك الله له حتى صولحت إحدى امرأتيه عن نصف الثمن أي على ثمانين ألف درهم، وتصدق عاصم بن عدى بمائة وسق من تمر، وجاء أبو عقيل الأنصارى بصاع تمر، فقال: بت ليلتى أجر بالجرير (أي الحبل) على صاعين فتركت صاعا لعيالى وجئت بصاع فأمره رسول الله صلى الله عليه وسلم أن ينثره على الصدقات، فلمزه المنافقون (أي لاموه وعرضوا به ورموه بالجبن والإسراف) وقالوا: ما أعطى عبد الرحمن وعاصما إلا رياء، ولقد كان الله ورسوله لغنيين عن صاع أبى عقيل، ولكنه أحب أن يذكر بنفسه ليعطى من الصدقات فنزلت: (والذين لا يجدون إلا جهدهم) أي إلا طاقتهم (فيسخرون منهم) يستهزئون بهم (سخر الله منهم) أي جازاهم على سخريتهم، وعاقبهم بالفقر والخزى، والذل في الدنيا، وفى الآخرة بدخول جهنم.
هذه تعاليم الإسلام يتصدق سيدنا عبد الرحمن بنصف ماله ثقة بالله، وبانتظار ثوابه، ومضاعفة خيراته ولقد نما ماله، وزاد خيره حتى ورثت إحدى زوجاته نصف الثمن على ثمانين ألف درهم.
ما شاء الله. (٨ × ٨٠٠٠٠ = ٦٤٠٠٠٠ درهم: أي ٧٠٠ جنيه) رأس مال سيدنا عبد الرحمن عند موته ستمائة وأربعون ألف درهمورأيت ذلك الزارع المسكين الذين يقضى طيلة ليله في جر الحبل، وتصدق بصاع نصف أجره، وقبله النبى صلى الله عليه وسلم صدقة. لماذا؟ ليعلمه النبى صلى الله عليه وسلم حب الخير، وانتظار سعة الله، وزيادة رزقه، ومشاركة المسلمين في الفتح، وأن يضرب معهم بسهم في الغزو =

<<  <  ج: ص:  >  >>