للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي روايةٍ جيدةٍ لأبي يعلى: "وإن أحدكم ليخرج بصدقتهِ من عندي مُتأبطها، وإنما هي له نارٌ. قلتُ: يا رسول الله كيف تُعطيهِ وقد علمت أنها له نارٌ؟ قال: فما أصنعُ يأبون إلا مسألتي (١)، ويأبى الله عز وجل ليَ البُخلَ (٢) ".

٢٩ - وعن أبي بشرٍ قُبيصةَ بن المخارقِ رضي الله عنه قال: "تحملتُ حمالةً، فأتيتُ رسول الله أسألهُ فيها فقال: أقمْ حتى تأتينا الصدقة فنأمرَ لك بها، ثم قال: يا قُبيصةُ: إن المسألة لا تَحِلُّ إلا لأحد ثلاثةٍ: رجلٍ تَحَمَّلَ حَمَالَةً فَحَلَّتْ له المسألةُ حتى يُصيبها ثم يُمسِكَ، ورجلٍ أصابتهُ جائحةٌ اجتاحتْ مالهُ فَحَلَّتْ له المسألةُ حتى يُصيبَ قِوَاماً من عَيْشٍ، أو قال: سِدَاداً من عيشٍ، ورجلٍ أصابتهُ فاقةٌ حتى يقولَ ثلاثةٌ من ذوي الحِجَى من قومه: لقد أصابت فلاناً فاقةٌ، فَحَلَّتْ لهُ المسألةُ حتى يُصيبَ قِوَاماً من عيشٍ، أو قال سِدَاداً من عيشٍ، فما سِوَاهُنَّ من المسألةِ. يا قبيصةُ سُحْتٌ يأكلها صاحبها سُحْتاً (٣) " رواه مسلم وأبو داود والنسائي.

[الحمالة] بفتح الحاء المهملة: هو الدية يتحملها قوم من قوم، وقيل: هو ما يتحمله المصلح بين فئتين في ماله ليرتفع بينهم القتال ونحوه.

[والجائحة]: الآفة تصيب الإنسان في ماله.

[والقوام] بفتح القاف، وكسرها أفصح: هو ما يقوم به حال الإنسان من مال وغيره.

[والسداد] بكسر السين المهملة: هو ما يسد حاجة المعون ويكفيه.

[والفاقة]: الفقر والاحتياج.

[والحجى] بكسر الحاء المهملة مقصوراً: هو العقل.

٣٠ - وعن ابن عباسٍ رضي الله عنهما قال: قال رسول الله:


(١) الطلب مني بإلحاف، ولم يتركوها للمحتاجين الفقراء.
(٢) ويريد الله عز وجل أن يشمله بكرمه وأن يقيه شر البخل، ويجعل اسمه جواداً سمحاً يعطي الكثير ولا يخشى الفقر.
(٣) يبين أن الإسلام عمل وعزة نفس وكرامة وشرف، ويحذر من الامتهان والضعة وذل السؤال، وأباح سؤال الناس لثلاثة:
(أ) رجل أصلح بين متحاربين ووقف القتال بين طائفتين وتحمل الدية والغرامة، والإنفاق على ما يجلب المودة والمحبة بينهما وأبطل سفك الدماء وإراقته هدراً، وتحمل ديات القتلى ليصلح ذات البين، فله أن يسأل الناس ليعاونوه على هذه المهام الشاقة.
(ب) من كان غنياً وافتقر، ولا يقدر على الكسب.
(جـ) الفقراء والمساكين الضعفاء الذين يشهد لهم أصحاب العقول الراجحة السليمة. غير أولئك باطل وحرام ونار في بطون الشحاذين.

<<  <  ج: ص:  >  >>