للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الترمذي، وقال: حديث غريب.

٧ - وعنْ أبي موسى الأشعريِّ رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: مثل المؤمن الذي يقرأ القرآن مثل الأترجَّة (١): ريحها طيِّب، وطعمها طيِّب،


= وجميع صفات الكمال، والعبد مخلوق حادث ضعيف لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضراً، ومعناه أن كلام الله جل وعلا مكتسب كل صفات الكمال، ومفضل على كلام البشر، وإذا نظرت إلى العالم وجدته ممتعا بخيرات الله وإحسانه معترفا بعجزه وتقصيره أمام خالقه جل وعلا كثير المنح واهب الخيرات لعباده. قال تعالى: (وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها) أي لا تحصروها، ولا تطيقوا عد أنواعها، فضلا عن أفرادها فإنها غير متناهية (إن الإنسان لظلوم كفار) أي يظلم النعمة بإغفال شكرها، أو يظلم نفسه بأن يعرضها للحرمان، بشديد النكران لها والكفران، وقيل ظلوم في الشدة يشكو ويجزع، كفار في النعمة يجمع ويمنع. أهـ بيضاوي ص ٣٦٨.
فكثرة العطاء دليل الفضل، والاحتجاج والعجز دليل الذلة. قال تعالى:
أ - (يا أيها الناس قد جاءكم برهان من ربكم وأنزلنا إليكم نورا مبينا) ١٧٤ من سورة النساء.
ب - (ألم تر أن الله أنزل من السماء ماء فتصبح الأرض مخضرة إن الله لطيف خبير ٦٣ له ما في السماوات وما في الأرض وإن الله لهو الغني الحميد) ٦٤ من سورة الحج.
جـ - (ألم تروا أن الله سخر لكم ما في السماوات وما في الأرض وأسبغ عليكم نعمة ظاهرة وباطنة) ٢٠ من سورة لقمان.
عني بالبرهان المعجزات، وبالنور القرآن. أي قد جاءكم دلائل العقل وشواهد النقل، ولم يبق لكم عذر ولا علة، وقيل البرهان الدين، أو رسول الله صلى الله عليه وسلم، أو القرآن. أهـ بيضاوي ص ١٦٥.
(١) التي تجمع طيب الطعم والريح: التفاحة، وفي الفتح: أن التمثيل وقع بالذي يقرأ القرآن ولا يخالف ما اشتمل عليه من أمر، ونهي لا مطلق التلاوة. أهـ.
وفيه فضيلة القرآن، والدعوة إلى العمل به. وفي عمدة القارئ: اعلم أن هذا التشبيه، والتمثيل في الحقيقة وصف اشتمل على معنى معقول صرف لا يبرزه عن مكنونه إلا تصويره بالمحسوس المشاهد، ثم إن كلام الله المجيد له تأثير في باطن العبد وظاهره، وإن العباد متفاوتون في ذلك، فمنهم من له النصيب الأوفر من ذلك التأثير، وهو المؤمن القارئ، ومنهم من لا نصيب له البتة، وهو المنافق الحقيقي، ومنهم من تأثر ظاهره دون باطنه وهو المرائي أو بالعكس وهو المؤمن الذي لم يقرأه، وإبراز هذه المعاني وتصويره في المحسوسات ما هو مذكور في الحديث، ولم يجد ما يوافقها ويلايمها أقرب، ولا أحسن ولا أجمع من ذلك لأن المشبهات والمشبه بها، واردة على تقسيم الحاضر، لأن الناس إما مؤمن أو غير مؤمن. والثاني إما منافق صرف أو ملحق به، والأول إما مواظب عليها.
فعلى هذا قس الثمار المشبه بها، ووجه التشبيه في المذكورات مركب منتزع من أمرين محسوسين طعم وريح، وقد ضرب النبي صلى الله عليه وسلم المثل بما تنبته الأرض ويخرجه الشجر للمشابهة التي بينها وبين الأعمال، فإنها من ثمرات النفوس، فخص ما يخرجه الشجر من الأترجة والتمرة بالمؤمن، وبما تنبته الأرض من الحنظلة والريحانة بالمناطق تبنيها على علو شأن المؤمن، وارتفاع علمه، ودوام ذلك، وتوقيفاً على ضعة شأن المنافق، وإحباط عمله وقلة جدواه. أهـ عيني ص ٣٨ جـ ٢٠.
شيء بديع يكسب القارئ القرآن: نفحات صمدية. وبركات إلهية صادرة من تلاوة كلام رب العالمين، وللقرآن فضل أقوى ومكانة سامية منحها القارئ فأصابه شذاها. وما أحسن هذا التشبيه المحسوس: (قارئ القرآن كالأترجة).
اختار صلى الله عليه وسلم هذه الفاكهة مثلا واضحا لكبر جرمها، وحسن منظرها، وطيب مطعمها =

<<  <  ج: ص:  >  >>