للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ومثل المؤمن الذي لا يقرأ القرآن كمثل التَّمرة لا ريح لها وطعمها حلوٌ، ومثل المنافق (١) الذي يقرأ القرآن مثل الرَّيحانة (٢) ريحها طيِّب، وطعمها مرٌّ، ومثل المنافق الذي


= ولين ملمسها. تأخذ الأبصار صبغة ولونا: فاقع لونها تسر الناظرين، تتوق إليها النفس قبل التناول. تفيد آكلها بعد الالتذاذ بذوقها: طيب نكهة، ودباغ معدة، وهضم، واشتراك الحواس الأربع: البصر والذوق والشم واللمس في الاحتظاء بها، ثم إن أجزاءها تنقسم على طبائع قشرها: حار يابس، ولحمها حار رطب، وحماضها بارد يابس، وبزرها حار مجفف أهـ.
فأفاد صلى الله عليه وسلم أن قارئ القرآن رائحته ذكية، ومنافعه جليلة، وقربه رحمة، ومصاحبته طاعة ومودته رضوان وكلامه مثمر. وفيه الحث على الإنصات والاستماع، وتخلق القارئ بمكارم الأخلاق، وإذا قرأ العاصي القرآن فكالوردة رائحتها ذكية ولاتؤكل فتمر نفحات عطرية من فيه وهو غير عامل بما يقرأ، فيستفيد السامع المنصت فقط، ومن يرضى أن يكون ريحانة لغيره محروما من شمها، فاقدا عطرها، بعيدا عن ثمرها، وكذا العاصي الذي لا يقرأ ولا يسمع، فكالشجرة المرة كريهة الطعم، معدومة الرائحة، فلا حول ولا قوة إلا بالله.
فعليك أخي بالإنصات إلى القرآن، والتأمل في آياته، وأن تقرأ ما تيسر منه عسى أن تشملك رحمة الله جل جلاله. قال تعالى.
أ - (فاقرءوا ما تيسر من القرآن).
ب - (تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم) ١ من سورة الزمر.
وفي الفتح خص صفة الإيمان بالطعم وصفة التلاوة بالريح لأن الإيمان ألزم للمؤمن من القرآن، إذ يمكن حصول الإيمان بدون القراءة، وكذلك الطعم ألزم للجوهر من الريح فقد يذهب ريح الجوهر ويبقى طعمه.
وقيل إن الجن لا تقرب البيت الذي فيه الأترج فيناسب أن يمثل به القرآن الذي لا تقربه الشياطين، وغلاف حبه أبيض فيناسب قلب المؤمن. أهـ ص ٥٤ جـ ٩.
(١) الفاجر الفاسق، أي الذي يخالف ظاهره باطنه، الذي يتحلى بآداب الدين رياء، وهو مصمم على عصيان الله تعالى وانتهاك محارمه، وغشيان الملاهي.
أ - (ليعذب الله المنافقين والمنافقات).
ب - (إن المنافقين في الدرك الأسفل من النار ولن تجد لهم نصيرا) ١٤٥ من سورة النساء. وفي النهاية، وفي حديث حنظلة: نافق حنظلة، أراد أنه إذا كان عند النبي صلى الله عليه وسلم أخلص، وزهد في الدنيا، وإذا خرج عنه ترك ما كان عليه ورغب فيها. فكأنه نوع من الظاهر والباطن ما كان يرضى أن يسامح به نفسه، وفيه: (أكثر منافقي هذه الأمة قراؤها).
أراد بالنفاق ههنا الرياء، لأن كليهما إظهار غير ما في الباطن. أهـ ص ١٦٦ جـ ٢.
(٢) كل بنت طيب الريح من أنواع الشموم، ومنه حديث: (إذا أعطى أحدكم الريحان فلا يرده).
ومنه الحديث (قال لعلي رضي الله عنه: أوصيك بريحانتي خيراً في الدنيا قبل أن ينهد ركناك) فلما مات رسول الله صلى الله عليه وسلم قال هذا أحد الركنين. فلما ماتت فاطمة رضي الله عنها قال هذا الركن الآخر، وأراد بريحانيته: الحسن والحسين رضي الله عنهما. أهـ نهاية.
ومعناه: الفاجر الفاسق قارئ القرآن غير العامل يفيد غ يره وينسى نفسه بمواعظه، ويكون عطرا ومسكا زكيا للسامعين، وهو غافل عن طاعة أوامر الله ورسوله صلى الله عليه وسلم. فجوفه خاو من الخير، وطعمه مر، محروم من ثواب القرآن.
إن المدار على القبول ورضا الله، وداعية العمل الصالح: والتخلق بأخلاق القرآن، وعار على قارئ القرآن أن يكون بوقار مزمارا لا يعي ما يقول، ولا يعمل بما ينطق.

<<  <  ج: ص:  >  >>