والدليل على ذلك: وجود الحوادث بعد أن لم تكن، ولأن المحدث لو لم يتعلق بمحدث أحدثه لم تتعلق الكتابة بكاتب ولا البناء ببان.
ويدل على ذلك -أيضا- علمنا بتعلق الفعل بالفاعل في كونه فعلا، كتعلق الفاعل في كونه فاعلا بفعل، وأن تعلق الكتابة والصناعة بالكاتب والصانع، كتعلق الكاتب في كونه كاتبا بالكتابة، والصانع بالصناعة، فلو جاز فعل لا من فاعل، وكتابة لا من كاتب لجاز وجود محدث لا محدث له، وذلك محال.
فصل [٦ - في ذكر بعض صفات الخالق]
ومن صفات هذا الصانع أنه موجود قديم واحد حي عالم قادر مريد متكلم سميع بصير باق، وليس كمثله شيء وهو السميع البصير.
والدليل على أنه موجود: أن الأفعال يستحيل أن تقع إلا بوجود القدرة، والقدرة يستحيل أن تقوم بمعدوم، فأثبت أنها قائمة بوجوده.
-وأيضا- فلو لم يقتض حدوث العالم وجود المحدث له لم يقتض البناء وجود الباني، ولا الكتابة وجود الكاتب.
والدليل على أنه قديم: لأنه لو كان محدثا لاقتضى محدثا أحدثه، واقتضى محدثه محدثا أحدثه إلى ما لا نهاية له وذلك محال، فوجب أن يكون الصانع قديما.
والدليل على أنه عالم قادر حي: ظهور الأفعال المحكمة منه، لاستحالة ظهورها من العاجز الجاهل.