للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولحمٍ، وَرِيحَ (١) عليه بأُخرى، وغدا في حُلَّةٍ، وراح في أخرى: وسترتم بيوتكم (٢) كما تُسْتَرُ الكعبةُ. قلنا: بل نحن يومئذٍ (٣) خيرٌ نتفرَّغُ للعبادة. قال: بل أنتم اليوم خيرٌ" رواه أبو يعلى، واللفظ له، ورواه الترمذي إلا أنه قال: خرجت في يومٍ شاتٍ (٤) من بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أخذتُ إهاباً معطوناً (٥)،

فجوَّبْتُ وسطهُ؛ فأدخلتهُ في عنقي، وشددتُ وسطي؛ فحزمتهُ بخُوصِ النخلِ، وإني لشديد الجوع؛ فذكر الحديث؛ ولم يذكر فيه مصعب بن عمير؛ وذكر قصته في مواضع أخر مفردة؛ وقال في كل منهما: حديث حسن غريب.

[قال الحافظ]: وفي إسناديه؛ وإسناد أبي يعلى رجل لم يسّم.

[جَوَّبت وسطه] بتشديد الواو: أي خرقت في وسطه خرقاً كالجيب؛ وهو الطوق الذي يخرج الإنسان منه رأسه.

[والإهاب] بكسر الهمزة: هو الجلد؛ وقيل: ما لم يدبغ.

ما جاء في استحباب لبس الصوف

١٩ - وعن عمر رضي الله عنه قال: "نظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى مُصعب بن عمير مُقبلاً عليه إهابُ كبشٍ قد تَنَطَّقَ به (٦) فقال النبي صلى الله عليه وسلم: انظروا إلى هذا الذي نَوَّرَ الله قلبه (٧)! لقد رأيته بين أبوين يَغْذُوَانِهِ بأطيب الطعامِ


(١) ذهب مساء، غدا: بكر، وراح: رجع.
(٢) ملائم منازلكم من الأثاث والرياش، وفاخر الأواني وتمتعتم بملذات الحياة كما نتمتع الآن سنة ١٣٧٤ هـ.
(٣) في هذه الحالة نحمد الله، فنحن بخير والغنى أدعى إلى التفرغ لطاعة الله، فأخبرهم صلى الله عليه وسلم أن هذه الحالة التي أنتم عليها بخير لأن الدنيا فانية وزخرفها غير باق:
(أ) قال تعالى: "قل متاع الدنيا قليل والآخرة خير لمن اتقى ولا تظلمون فتيلا" (٧٧ من سورة النساء).
(ب) وقال تعالى: "وقال الذين أوتوا العلم ويلكم ثواب الله خير لمن آمن وعمل صالحاً ولا يلقاها إلا الصابرون" (٨٠ من سورة القصص).
(جـ) وقال تعالى: "الله يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر وفرحوا بالحياة الدنيا وما الحياة الدنيا في الآخرة إلا متاع" (٢٦ من سورة الرعد)، يوسعه سبحانه ويضيقه، والدنيا متعة لا يدوم نعيمها، فرسول الله صلى الله عليه وسلم يبشر الفقراء أن حالتهم حسنة؛ وعملهم مقبول تظللهم رحمة الله، ويدركهم عفوه ورأفته، لماذا؟ لأن زهرة الدنيا فتنة، وشاغلة عن العبادة، وداعية لكثرة الحساب كما قال تعالى: "ثم لتسألن يومئذٍ عن النعيم" (٨ من سورة التكاثر).
(٤) كثير البرد.
(٥) جلداً مدبوغاً ليناً.
(٦) جعله حزاماً يشد به وسطه.
(٧) شرح الله صدره، وملأ قلبه إيماناً وحكمة، وجعله ينبذ الترف، ويتحلى بالصوف، ويقبل على تعاليم رسول الله صلى الله عليه وسلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>