للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تُكَفِّنُوهُ (١) وتُؤْجَرُوا فِيهِ؟ قالُوا: وَمَنْ هُوَ؟ قالَتْ: أَبُو ذَرٍّ، فَفَدَوْهُ بِآبَائِهمْ وَأُمَّهَاتِهِمْ وَوَضَعُوا سِيَاطَهُمْ في نُحُورِهَا (٢) يَبْتَدِرُونَهُ، فَقَالَ: أَبْشِرُوا، فَإِنَّكُمُ النَّفَرُ الَّذِينَ قالَ رَسُولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم فِيكُمْ مَا قالَ، ثُمَّ أَصْبَحْتُ الْيَوْمَ حَيْثُ تَرَوْنَ، وَلَوْ أَنَّ لِي ثَوْبَاً مِنْ ثِيَابي يَسَعُ كَفَنِي لَمْ أُكَفَّنْ إِلاَّ فِيهِ، فَأَنْشُدُكُمْ (٣) بِاللهِ لا يُكَفِّنُنِي رَجُلٌ مِنْكُمْ كَانَ عَرِيفاً (٤) أَوْ أَمِيراً (٥) أَوْ بَرِيداً (٦)

فَكُلُّ الْقَوْمِ قَدْ نَالَ مِنْ ذلِكَ شَيْئاً


(١) تحضرون ما يستره بعد موته وتشيعونه.
(٢) أي أقبلوا عليه يسرعون إلى رؤيته.
(٣) أقسم به.
(٤) القيم بأمور القبيلة أو الجماعة من الناس يلي أمورهم ويتعرف الأمير منه أحوالهم فعيل بمعنى فاعل، والعرافة عمله أهـ نهاية.
(٥) حاكماً أسند إليه عمل.
(٦) رسول أخبار وساعياً، وفي الحديث "إني لا أخيس بالعهد ولا أحبس البرد": أي لا أحبس الرسل الواردين علي. قال الزمخشري: البرد جمع بريد أهـ. أي أنا بريء أن يصيبني شيء من ثلاثة:
أ - ولي عمل.
ب - إداري رأس قوماً وحكم.
جـ - واسطة بين قوم يحمل أمانة والأشياء التي معه ليس له فاختار رجلاً من سكان المدينة لم يرأس أسرته؛ ولم يرع عملاً أسند إليه فيصبح راعياً مسؤولاً، ولم يكن رسولاً لأي إنسان.
سيدنا أبو ذر لم يجد كفناً ولم يجد أي شيء في بيته. لماذا لأنه صحاب الرسول صلى الله عليه وسلم الذي يقول الله تعالى له [فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم (٤٣) وإنه لذكر لك ولقومك وسوف تسألون (٤٤) واسأل من أرسلنا من قبلك من رسلنا أجعلنا من دون الرحمن آلهة يعبدون؟ (٤٥)] من سورة الزخرف.
إن شاهدنا سيدنا رسول الله صلى الله عليه وسلم على حق، وكذا أصحابه وقد زهدوا في الدنيا، فالطمع فيها على غير حق وغرور فيجب علينا أن نقتدي بالزاهدين الصابرين ونعمل صالحاً. هذا أبو ذر الذي انتفع بتعاليم النبي صلى الله عليه وسلم وتغذى بلبان القرآن، وسرح نظرك في سورة الدخان تجد ما حكى الله عن الأغنياء الطغاة والكفرة العصاة وجمعوا آلافاً مؤلفة وقناطير مقنطرة من الذهب والفضة وتركوها للورثة ولم يعد عليهم شيء منه، قال تعالى:
[كم تركوا من جنات وعيون (٢٥) وزروع ومقام كريم (٢٦) ونعمة كانوا فيها فاكهين (٢٧) كذلك وأورثناها قوماً آخرين (٢٨) فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين (٢٩) ولقد نجينا بني إسرائيل من العذاب المهين (٣٠) من فرعون إنه كان عالياً من المسرفين (٣١) ولقد اخترناهم على علم على العالمين (٣٢) وآتيناهم من الآيات ما فيه بلاء مبين (٣٣)] من سورة الدخان.
(مقام) محافل مزينة ومنازل حسنة (ونعمة) وتنعم (فاكهين) متنعمين (فما بكت) مجاز عن عدم الاكتراث بهلاكهم والاعتداد بوجودهم (منظرين) ممهلين إلى وقت آخر (العذاب) من استعباد فرعون وقتله أبناءهم (عالياً) متكبراً (على علم) عالمين لكثرة الأنبياء فيهم.
ثم وصف سبحانه وتعالى حال المتقين الزاهدين المطيعين الله ورسوله المتبعين سنته [إن المتقين في مقام أمين (٥١) في جنات وعيون (٥٢) يلبسون من سندس وإستبرق متقابلين (٥٣) كذلك وزوجناهم بحور عين (٥٤) يدعون فيها بكل فاكهة آمنين (٥٥) ولا يذوقون فيها الموت إلا الموتة الأولى ووقاهم عذاب الجحيم (٥٦) فضلاً من ربك ذلك هو الفوز العظيم (٥٧) فإنما يسرناه بلسانك لعلهم يتذكرون (٥٨) فارتقب إنهم مرتقبون (٥٩)] من سورة الدخان".
يأمن الصالحون الزاهدون يوم القيامة المكاره ويخاف المترفون الأغنياء، فالصالحون ملابسهم ما رقّ من الديباج وما غلظ منه (سندس وإستبرق) يتآنسون ويتقابلون في مجالسهم، وهو أتم للأنس والمحبة =

<<  <  ج: ص:  >  >>