للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المُعْطِي، ويَدُ السَّائلِ" (١) " تم كلامُه.

فهذا كلام هذين الفاضلين في هذه الآية، وأنت ترى ما فيه من التكَلُّف الظاهر الذي لا حاجة بالآية إليه، بل الأمرُ فيها أوضحُ من ذلك (٢).

والصوابُ: أن الاستثناءَ مُتَّصِلٌ، وليس في الآية استعمالُ اللَّفظ في حقيقته ومجازه؛ لأن "من في السَّماوات والأرض" هاهنا أبلغُ صيغ العمومِ، وليس المُراد بها مُعَيَّنًا، فهي في قوَّة "أحد" المنفي بقولك: "لا يَعْلمُ أَحَدٌ الغَيْبَ إلاّ الله"، وأتى في هذا بذكر السموات والأرض تحقيقًا لإرادة العموم والإحاطة فالكلام مُؤدٍّ معنى: "لا يَعْلَمُ أحَدٌ الغَيْبَ إلاّ الله" (٣).

وإنما نشأ الوهمُ مِن ظَنِّهم أن الظرفَ هاهنا للتَّخصِيص والتَّقييد، وليس كذلك، بل هو لتحقيق الاستغراق والإحاطة، فهو نظيرُ الصِّفة في قوله تعالى: {وَلَا طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ} [الأنعام: ٣٨] فإنها ليست للتخصيص والتَّقييد، بل لتحقيق الطَّيران المدلول عليه بـ"طائر"، فهكذا قوله: {مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} لتحقيق الاستغراق المقصود بالنفي.


(١) أخرجه أحمد: (٧/ ٢٩٥ رقم ٤٢٦١)، وابن خزيمة رقم (٢٤٣٥) والحاكم: (١/ ٤٠٨) من حديث عبد الله بن مسعود -رضي الله عنه-، وأخرجه أحمد: (٢٥/ ٢٢٥ رقم ١٥٨٩٠)، وأبو داود رقم (١٦٤٩) والحاكم: (١/ ٤٠٨) -كلاهما من طريق أحمد- من حديث مالك بن نضلة -رضي الله عنه- بنحوه.
والحديث صححه ابن خزيمة وابن حبان والحاكم.
(٢) وذكر كلامهما ابن هشام فى "المغني": (٢/ ٤٤٩ - ٤٥٠) ثم قال: "وفى الآية وجه آخر، وهو أن يُقدِّر "من" مفعولاً به، و" الغيب" بدل اشتمال، و"الله" فاعل، والاستثناء مفرَّغ" اهـ.
(٣) من قوله: "وأتى في هذا ... " إلى هنا ساقط من (ظ).