للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يقفون بمُزْدلفة، فقال: "خَالَفَ هَدْينا هَدْيَ المُشْرِكينَ" (١)، وكالدَّفْعِ مِنْ مُزْدَلِفَةَ قبلَ طلُوع الشَّمس، فإنهم كانوا لا يدفعون منها حتى تشرقَ الشمسُ، فَقَصَد مخالَفَتهم وصارت سنَّة إلى يوم القيامة، وهذه قاعدةٌ من قواعد الشرع: أنَّ الأحكامَ المشروعة لهذه الأسباب في الأصل لا يشترطُ في ثبوتها قيامُ تلك الأسباب؛ فلو كان ما ذكرتم من الأسباب في كون الجماعة مأمورًا بها في صلاة الخوف هو الواقعَ، لم يلزمْ مه سقوطُ الأمر بها عند زوال تلك الأسباب، وفَتحْ هذا الباب يفضي إلى إسقاطِ كثيرٍ من السُّنن، وذلك باطلٌ.

فائدة (٢)

الخلافُ في كون عائشة أفضلَ من فاطمة أو فاطمة أفضلُ، إذا حُرِّرَ محلُّ التفضيل صار وفاقًا، فالتفضيل بدون التفصيل (٣) لا يستقيمُ.

فإن أُريْدَ بالفضل كثرةُ الثواب عند الله؛ فذلك أمر لا يُطَّلَعُ عليه إلا بالنَّصَّ؛ لأنه بحَسْب تفاضُل أعمال القلوب لا بمجرَّد أعمال الجوارح، وكم من عامِلَين أحدُهما أكثرُ عملًا بجوارحه، والآخرُ أرفعُ درجة منه في الجنة.

وإن أُريْدَ بالتفضيل التفضيل بالعلم؛ فلا ريبَ أن عائشة أعلمُ وأنفعُ للأمَّة، وأدَّت إلى الأمَّة من العلم ما لم يؤَدِّ غَيْرُها، واحتاج إليها خاصُّ الأمَّةِ وعامَّتها.


(١) أخرجه البخاري رقم (١٦٦٥)، ومسلم رقم (١٢١٩) من حديث عائشة - رضي الله عنها -.
(٢) (ق): "مسألة".
(٣) "صار وفاقًا، فالتفضيل بدون التفصيل" سقطت من "ظ".