للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وردّ ما يَرِدُ عليك من الحق رأسًا، ولا تقبله إلا إذا برز في قالب هواك، قال تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ} [الأنعام: ١١٠] فعاقبهم على ردِّ الحق أول مرة بأن قلَّب أفئدتهم وأبصارهم بعد ذلك.

والثانى: التهاون بالأمر إذا حضر وقتُه، فإنك إن (١) تهاونت به ثَبَّطك الله وأقعدَك عن مراضيه وأوامره عقوبةً لك. قال تعالى: {فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (٨٣)} [التوبة: ٨٣] فمن سلِمَ من هاتينِ الآفتينِ والبليَّتين (٢) العظيمتينِ فَلْتَهْنِهِ السَّلامةُ.

فائدة

وقعت حادثة في زمن ابن جرير (٣)، وهي: أن رجلاً تزوَّجَ امرأةً فأحبَّها حبًّا شديدًا، وأبغضته بغضًا شديدًا، فكانت تواجهُهُ بالشَّتم والدُّعاء عليه، فقال لها يومًا: أنت طالقٌ ثلاثًا لا خاطبتني بشيءٍ إلا خاطبتُكِ بمثله، فقالت له في الحال: أنتَ طالقٌ ثلاثًا بتاتًا، فأبلس (٤) الرجلُ ولم يَدْرِ ما يصنع، فاستفتى جماعةً من الفقهاء. فكلُّهم قال: لابُدَّ أن تُطَلَّقَ، فإنه إن أجابها بمثل كلامها طلقت، وإن لم يُجِبْها حنث فطلقت، فإن بَرَّ طلقت، وإن حنث طلقت.

فأُرْشد إلى ابن جرير، فقال له: امضِ ولا تُعَاوِدِ الأيْمان، وأقمْ


(١) (ع): "إذا".
(٢) (ظ): "النكبتين".
(٣) (ظ): "أيام ابن جرير"، وذكر الحادثة الذهبي في "تاريخه": (٢٣/ ١٨٣).
(٤) (ع): "فأفلس"، و (ظ): "فأنكس".