وحيثُ حذَفَه كان من أوتيه واقعًا في سياق الذَّمِّ أو منقسمًا, وذلك من أسرار القرآن الكريم.
ومثله: {ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا} [فاطر: ٣٢] , وقال: {وَإِنَّ الَّذِينَ أُورِثُوا الْكِتَابَ مِنْ بَعْدِهِمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ (١٤)} [الشورى: ١٤] وقوله: {فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ وَرِثُوا الْكِتَابَ يَأْخُذُونَ عَرَضَ هَذَا الْأَدْنَى} [الأعراف: ١٦٩] فهذا خلف سوءٍ (١) , وبالجملة فالذي يضافُ إلى الله تعالى كلُّه خيرٌ وحكمة ومصلحة وعدل, والشرُّ ليس إليه.
فصل
وقد دخل في قوله تعالى: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢)} الاستعاذة من كل شر في أي مخلوق قام به الشر من حيوان أو غيره, إنسيًّا كان أو جنيًّا, أو هامَّةً أو دابَّةً, أو ريحًا أو صاعقةً, أو أيَّ نوع كان من أنواع البلاء.
فإن قلت فهل في (ما) هاهنا عموم؟
قلت فيها عمومٌ تقييديٌ وصفيٌ لا عمومٌ إطلاقيٌ, والمعنى: من شرِّ كلِّ مخلوق فيه شرٌّ, فعمومها من هذا الوجه, وليس المرادُ الاستعاذة من شرِّ كلِّ ما خلقه الله تعالى, فإن الجنةَ وما فيها ليس فيها شرٌّ, وكذلك الملائكةُ والأنبياءُ فإنهم خيرٌ محضٌ, والخير كلُّه حصل على أيديهم, فالاستعاذة من {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢)} تعمُّ شرَّ كلِ مخلوق فيه شرٌّ, وكل شرٍّ في الدنيا والآخرة, وشر شياطين الإنس والجن وشر السباع والهوامِّ, وشر النار والهواء, وغير ذلك.
(١) "فهذا خلف سوءٍ" من (ق).