للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مشترك، فإذا أراد النافي سَلْبَ النعمة المطلقة أصاب، وإن أراد سلب مطلق النعمة أخطأ، وإن أراد المثبِت إثبات النعمة المطلقة للكافر أخطأ، وإن أراد إثبات مطلق النعمةَ أصاب، وبهذا تتفق الأدلة ويزول النزاع، ويتبين أن كلَّ واحد من الفريقين معه خطأ وصواب، والله الموفق.

وأما قوله تعالى: {يَابَنِي إِسْرَائِيلَ اذْكُرُوا نِعْمَتِيَ الَّتِي أَنْعَمْتُ عَلَيْكُمْ} [البقرة: ٤٧] فإنما يذكرهم بنعمته على آبائهم، ولهذا يعدِّدها عليهم واحدة واحدة؛ بأن أنجاهم من آل فرعون، وبأن فَرَق بهم البحر، وبأن وعد موسى أربعين ليلة فضلُّوا بعده، ثم تاب عليهم وعفا عنهم، وبأن ظلَّل عليهم الغمام، وأنزل عليهم المنَّ والسلوى، إلى غير ذلك من نِعَمه التي يُعدِّدها عليهم، وإنما كانت لأسلافهم وآبائهم، فأمرهم أن يذكروها لِيَدْعوهم ذكرهم لها إلى طاعته والإيمان برسله (١)، والتحذير من عقوبته بما عاقب به من لم يؤمن برسوله ولم ينقد لدينه وطاعته، فكانت نعمته على آبائهم نعمةً منه عليهم تستدعي منهم شكرًا، فكيف تجعلون مكان الشكر عليها كفركم برسولي، وتكذيبكم له، ومعاداتكم إياه، وهذا لا يدل (٢) على أن نعمته المطلقة التامة حاصلة لهم في حال كفرهم، والله أعلم.

فصل

وأما المسألة التاسعة: وهي أنه قال: {غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ}، ولم يقل: لا المغضوب عليهم، فيقال: لا ريب أن "لا"


(١) (ق ود): "برسوله".
(٢) (ق): "وغير هذا يدل".