للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

جدًّا بخلاف السَّلَف، فإنهم كانوا يُدْعَوْن بأسمائهم.

فقيل له: هذا لمخالفة العادات؛ لأن أُنسَ النفوس بالعادة طبيعةٌ ثابتةٌ؛ ولأن الاسم عند (١) السَّلَف لم يكن (٢) دالاً على قِلَّة رُتْبة المدعوِّ، واليوم صارت المنازلُ في القلوب تُعلم بأمارة الاستدعاء، فإذا قصَّر دَلَّ على تقصير رُتبته فيقع السخطُ لما وراء الاستدعاء. فلما صار المخاطباتُ موازينَ المقادير، شقَّ على المخطوط من رتبته قولاً، كما شق (٣) عليه فعلاً.

فائدة (٤)

سمع بعض أهل العلم رجلاً يدعو بالعافية، فقال له: يا هذا استعملِ الأدويةَ وادعُ بالعافية، فإن الله تعالى إذا كان قد جعل إلى العافية طريقًا. وهو التَّدَاوي ودعوتَهُ بالعافية، ربما كان جوابُهُ: قد عافيتُكَ بما جعلتهُ ووضعتُهُ سببًا للعافية، وما هذا إلا بمثابة من بينَ زرعِهِ وبينَ الماء ثُلْمَةٌ يدخلُ منها الماء يسقي زرعه، فجعل يُصلِّي ويستسقي لزَرْعه، ويطلبُ المطر مع قدرته على فَتْح تلك الثُّلْمة لسقي زَرْعه، فإن ذلك لا يحسُنُ منه شرعًا ولا عقلاً، ولم يكن ذلك إلا لأنه سبق بإعطاء الأسباب، فهو إعطاء بأحد الطريقين، وله أن يُعطي بسبب وبغير سبب، وبالسبب ليُبَيَّنَ به ما أفاض صنعه، وما أودع (ق/ ٢٧٦ أ) في مخلوقاته من القُوَى والطبائع والمنافع، وإعطاؤه لغير سبب ليُبيَّنَ للعباد أن القُدرة غيرُ مفتَقِرة إلى واسطة في فعله، فإذا


(١) (ق): "عن".
(٢) (ظ) زيادة: "عندهم".
(٣) (ع): "شق".
(٤) انظر: "الفروق": (٤/ ٢٢١ - ٢٢٤) للقرافي.