للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المثال السادس عشر: قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاءِ إِلَّا مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ} [النساء: ٢٤] وهذا من أشكل مواضع الاستثناء، لأنَّ مملوكَتَهُ إذا كانت محصَنَةً إحصانَ التَّزويجِ فهي حرامٌ عليه، والإحصان هنا إحصانُ التَّزويج بلا ريْب، إذ لا يَصِحُّ أن يُرادَ به: إحصانُ العِفَّة، ولا إحصان الحُرِيَّة, ولا إحصان الإسلام، فهو إحصانُ التَّزويج قطعًا، فكيف يُستثنى من المحرَّمات به المملوكة؟! فقال كثير من الناس: الاستثناء هاهنا منقطع، والمعنى: "لكنْ ما مَلَكَتْ أيمانكم فهو لَكم حَلالٌ".

ورُدَّ هذا بأنه استثناءٌ من مُوْجب، والانقطاعُ إنما يقع حيث يقعُ التفريغُ، ورُدَّ هذا الرَّد بأن الانقطَاعَ يقعُ في الموْجب وغيره، قال تعالى: {فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (٢٤) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ} [الانشقاق: ٢٤ - ٢٥].

وقالت طائفةٌ: الاستثناءُ على بابه متَّصِل، وما مَلَكَتْ أيماننا مستثنى من المُزَوَّجات، ثم اختلفوا:

فقالت طائفة من الصَّحابة، منهم ابن عباس وغيره وبعض التابعين: إنه إذا زَوَّجَ أَمَتَهُ ثم باعَها، كان بيعُها طلاقًا، وتَحِلُّ للسَّيد لأنها ملكُ يمينه، واحتجَّ لهم بالآية، ورُدَّ هذا المذهب بأمور:

أحدها: أنه لو كان صحيحًا؛ لكان وطؤُها حلالاً لسيِّدها إذا زَوَّجها؛ لأنها ملك يمينه، فكما اجتمعَ ملكُ سيِّدها لها وحِلُّها للزوج، فكذلك يجتمعُ ملك مشتريها لها وحِلُّها للزَّوج، وتناول اللفظ لهما واحد.

الثاني: أن المشتريَ خليفَةُ البائعِ، فانتقل إليه بعقد الشِّراء ما كان