للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

للمسلَّم عليه على الإطلاق، من غير تقييد بفاعل، فلما كان المراد مطلق السلامة من غير لعرّض لفاعل أتوا باسم المصدر الدال على مجرَّد الفعل، ولم يأتوا بالمصدر الدالِّ على الفعل والفاعل معًا، فتأمله.

فصل

وأما السؤال الثالث: وهو أن قول المسلم: "سلام عليكم" هل هو إنشاء أم خبر (١)؟

فجوابه: أن هذا ونحوه من ألفاظ الدعاء متضمن للإنشاء والإخبار، فجهة الخبرية فيه لا تُناقض جهةَ الإنشائية، وهذا موضعٌ بديع يحتاج إلى كشف وإيضاح، فنقول: الكلام له نسبتان، نسبة إلى المتَكلِّم به نفسِه (٢)، ونسبة إلى المتكلَّم فيه إما طلبًا وإما خبرًا، وله نسبة ثالثة إلى المخاطَب، لا يتعلَّقُ بها هذا الغرض، وإنما يتعلق تحقيقه بالنِّسبتين الأوليين، فباعتبار تينك النسبتين ينشأ التقسيم إلى الخبر والإنشاء، ويعلم أين يجتمعان وأين يفترقان، فله بنسبته إلى قَصْد المتكلِّم وإرادته لثبوتِ مضمونِه وصف الإنشاء، وله بنسبته إلى المتكلَّم فيه والإعلام بتحقُّقه في الخارج وصف الإخبار، ثم تجتمع النسبتان في موضع، وتفترقان في موضع، فكلُّ موضع كان المعنى فيه حاصلاً بقصد المتكلِّم وإرادته فقط، فإنه لا يُجامع فيه الخبرُ الإنشاءَ، نحو قوله: بعتك كذا، ووهبتكه، وأعتقت، وطلقت، فإنَّ هذه المعاني لم يثبت لها وجود خارجي إلا بإرادة المتكلِّم وقصدِه، فهي إنشاآت، وخبريتها من جهة أخرى، وهي تضمنها إخبار المتكلِّم


(١) (ق): "أم طلب أم خبر".
(٢) (ق): "التكلم نفسه".