للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فإذا كان قد نهى عبادَه أن يحملهم بغضهم لأعدائهم على أن لا يعدلوا عليهم، مع ظهور عداوتهم ومخالفتهم وتكذيبهم لله ورسوله، فكيفَ يسوغُ لمن يدِّعي الإيمانَ أن يحمله بغضُه لطائفةٍ منتسبةٍ إلى الرسول تصيبُ وتخطئ على أن لا يعدلَ فيهم، بل يجرِّد لهم العداوة (ق/ ١٥٦ أ) وأنواع الأذي، ولعله لا يدرى أنهم أولى بالله ورسوله وما جاء به منه علمًا وعملًا ودعوةً إلى الله على بصيرة، وصَبْرًا من قومهم على الأذى في الله، وإقامةً لحجةِ الله، ومعذرةً لمن خالفهم بالجهل (١)، لا كمن نصبَ مقالةً (٢) صادرةً عن آراءِ الرجال، فَدَعَا إليها، وعاقَبَ عليها، وعادَى من خالفها بالعصبية وحمية الجاهلية، والله المستعان وعليه التكلان ولا حول ولا قوة إلا به، وليكن هذا تمام الكلام من هذا السؤال، فقد تعدَّينا به طَوْرَه، وإن لم نقدُرْه قَدْرَه.

فصل

وأما السؤال الثالث عشر: وهو ما السر في كونه سلَّم عليهم بلفظ النكرةِ، وشرَعَ لعباده إن يسلِّموا على رسوله بلفظ المعرفة، وكذلك تسليمهم على نفوسهم وعلى عباده الصالحين؟.

فقد تقدم بيان الحكمة في كون السلام (ظ / ١١٨ ب) ابتداءً بلفظ النكرة، ونزيدُ هنا فائدةً أُخرى، وهي: أنه قد تقدم أن في دخول "اللام" في بالسلام أربع فوائد، وهذا المقام مستغنٍ عنها؛ لأن المتكلم بالسلام هو الله تعالى، فلم يقصد تبرُّكًا بذكر الاسم كما يقصده العبد، فإن التبرك استدعاء البركة واستجلابها، والعبد هو


(١) (ق): "بالجميل".
(٢) (ظ ود والمنيرية): "معالمه".