لأنَّ الساعة إنَّما تأتي من قبلها وهي غيب فيها، ومن جهتها تبتدئ وتنشأ، ولهذا قدَّم صَعْق أهل السموات على أهل الأرض عندها، فقال تعالى:{وَنُفِخَ فِي الصُّورِ فَصَعِقَ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الْأَرْضِ}[الزمر: ٦٨].
وأما تقديم الأرض على السماء في سورة يونُس (١)؛ فإنَّه لما كان السِّياقُ سِياقَ تحذيرٍ وتهديدٍ للبشر، وإعلامهم أنَّه سبحانه عالم بأعمالهم دقيقِهَا وجليلها، وأنه لا يغيب عنه منها شيءٌ؛ اقتضى ذلك ذكر محلهم وهو الأرض قبل ذكر السماء.
فتبارك من أودع كلامَه من الحكم والأسرار والعلوم ما يشهد أنَّه كلام الله! وأن مخلوقاً لا يمكن أن يصدر منه مثل هذا الكلام أبداً!!.
* وأمَّا تقديم المال على الولد؛ فلم يَطَّرد في القرآن، بل قد جاء مقدَّماً كذلك في قوله:{وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ}[سبأ: ٣٧] وقوله تعالى: {أَنَّمَا أَمْوَالُكُمْ وَأَوْلَادُكُمْ فِتْنَةٌ}[الأنفال: ٢٨] وقوله تعالى: {لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ (ق/ ٢٩ أ) وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَنْ ذِكْرِ اللَّهِ} [المنافقون: ٩] وجاء ذكر البنين (ظ/ ٢١ ب) مقدَّماً كما في قوله تعالى: {قُلْ إِنْ كَانَ آبَاؤُكُمْ وَأَبْنَاؤُكُمْ وَإِخْوَانُكُمْ وَأَزْوَاجُكُمْ وَعَشِيرَتُكُمْ وَأَمْوَالٌ اقْتَرَفْتُمُوهَا}[التوبة: ٢٤]، وقوله تعالى:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ}[آل عمران: ١٤].
فأمَّا تقديم الأموال في تلك المواضع الثلاثة؛ فلأنَّها ينتظمها معنىً واحد، وهو التحذير من الاشتغال بها، والحرص على تحصيلها حتَّى
(١) (ظ): "يس"! والآية في سورة يونس رقم (٦١): {وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ}.