للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومحبته، فمتى خلا القلبُ عن هذه الثلاثة فسد فسادًا لا يُرجى صلاحُه أبدًا، ومتى ضعُفَ فيه شيءٌ من هذه ضعُفَ إيمانُه بحسبه.

فتأملْ أسرارَ القرآن وحكمَتَهُ في اقتران الخِيفة بالذِّكر والخُفْية بالدُّعاء، مع دِلالته على اقتران الخِيفة بالدُّعاء والخُفْية بالذكر أيضًا، فإنه قال: {وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ} [الأعراف: ٢٠٥]، فلم يحتجْ بعدها أن يقول: خُفية، وقال في الدعاء: {وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا} [الأعراف: ٥٦]، فلم يحتج أن يقول في الأول: ادعوا ربكم تضرُّعًا وخيفة، فانتظمتْ كلُّ واحدة من الآيتين للخِيفة والخُفْية والتَّضَرُّع أحسنَ انتظام، ودلَّتْ على ذلك أكملَ دلالةٍ.

وذَكَر الطمعَ الذي هو الرَّجاءُ في آية الدُّعاء؛ لأن الدعاءَ مبنيٌّ عليه، فإن الداعيَ ما لم يطمعْ في سؤاله ومطلوبه لِم تتحرك نفسُه لطلبه، إذ طلبُ ما لا يُطْمَعُ فيه ممتنع، وذكَر الخوفَ في آية الذكر؛ لشدَّة حاجةِ الخائفِ إليه كما تقدَّمَ، فذكر في كلِّ آية ما هو اللائقُ (١) بها والأوْلَى بها من الخوف والطمع، فتبارك من أنزلَ كلامَهُ شفاء لما في الصدور وهدىً ورحمة للمؤمنين.

فصل

وقوله تعالى: {إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (٥٥)} [الأعراف: ٥٥] قيل: المراد أنه لا يحبُّ المعتدينَ (٢) في الدَّعاء، كالذي يسأل ما لا يليق به من منازل الأنبياء وغير ذلك، وقد روى أبو داود في "سننه" (٣) من


(١) (ع): "الأليق".
(٢) "قيل: المراد أنه لا يحب المعتدين" سقطت من (ق).
(٣) رقم (٩٦).