للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

حديث حماد بنَ سَلَمة، عن سعيد الجُرَيْري، عن أبي نَعَامَة، أن عبدَ الله بن مغَفَّلٍ سمع ابنَه يقولْ اللَّهُمَّ إني أسألُك القصرَ الأبيضَ عن يمين الجنة إذا دخلتُها، فقال: يا بُني سلِ اللهَ الجنةَ وتعوَّذ به من النار، فإني سمعت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يقول: "إنَّهُ سَيَكُونُ في هذهِ الأُمَّةِ قَوْمٌ يَعْتَدُونَ في الطُّهورِ والدُّعَاءِ" (١).

وعلى هذا فالاعتداءُ في الدُّعاء تارةً بأن يسألَ ما لا يجوزُ له سؤاله من الإعانة على المُحَرَّمات، وتارةً بأن يسألَ ما لا يفعلُه الله، مثلَ أن يسألَهُ تخليدَه إلى يوم القيامة، أو يسألَه أن يرفعَ عنه لوازم البشريَّة من الحاجة إلى الطعام والشَّراب، أو يسألَه أن يُطْلِعَهُ على غيبه، أو يسألَهُ أن يجعلَهُ من المعصومينَ، أو يسأله أن يَهَبَ له ولدًا من غير زوجةٍ ولا أَمةٍ، ونحو ذلك مما سؤالُه اعتداءٌ، فكلُّ سؤالٍ يُناقضُ حكمةَ الله أو يتضمَّنُ مناقضةَ شرعِهِ وأمرِهِ، أو يتضمَّنُ خلافَ ما أخبرَ به، فهو اعتداءٌ لا يحبُّه الله ولا يحبُّ سائِلَهُ، وفُسِّرَ الاعتداءُ برفع الصوت أيضًا في الدعاء، قال ابن جُرَيج: من الاعتداء رفعُ الصوت والنداء بالدُّعاء والصياح (٢).

وبعدُ؛ فالآية أعمُّ من ذلك كلِّه، وإن كان الاعتداءُ في الدُّعاء مرادًا بها، فهو من جملة المُراد، والله لا يحب المعتدين في كلِّ شيء، دعاءً كان أو غيرَه، كما قال تعالى {وَلَا تَعْتَدُوا إِنَّ اللَّهَ


(١) وأخرجه أحمد: (٢٧/ ٣٥١ رقم ١٦٧٩٦) وابن ماجه رقم (٣٨٦٤)، وابن حبان "الإحسان": (١٥/ ١٦٦)، والحاكم: (١/ ١٦٢)، وغيرهم.
وصححه ابن حبان والحاكم، وقال ابن كثير في "التفسير": (٣/ ١٤٤٠): "إسناد حسن لا بأس به".
(٢) أسنده عنه ابن جرير: (٦/ ١٦٥).