للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المثال الثانى عشر: قوله تعالى: {وَمَا أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ بِالَّتِي تُقَرِّبُكُمْ عِنْدَنَا زُلْفَى إِلَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا} [سبأ: ٣٧] فمن آمنَ ليس داخلاً في الأموال والأولاد، ولكنَّه من الكلام المحمول على المعنى؛ لأنه تعالى أخبَرَ أن أموالَ العبادِ وأولادَهم لا تُقَرِّبُهمْ إليه، وذلك يتضمَّنُ أن أربابَها ليسوا هم القريبين (١) إليه، فاستثنى منهم من آمَنَ وعَمِل صالحًا، أي: لا قريبَ عندَه إلا مَنْ آمن وعَمِل صالحًا، سواء كان له مالٌ ووَلَدٌ، أو لم يكنْ له، والانقطاعُ فيه أظهرُ، فإنه تعالى نفى قرْبَ الناس إليه بأموالهم وأولادهم، وأثبتَ قُربَهُمْ عندَه بإِيمانهم وعملِهِم الصالح، فتقديرُ "لكِنْ" هاهنا أظهرُ من تقدير الاتصال في هذا الاستثناء.

وإذا تأمَّلْتَ الكلامَ العَرَبيَّ رأيت كثيرًا منه واردًا على المعنى لوضوحِهِ، فلو وَرَدَ على قياس اللَّفظ مع وضوح المعنى لكان عِيًّا، وبهذه القاعدة تزولُ عنك إشكالاتٌ كثيرةٌ، ولا تحتاجُ إلى تكلُّف التَّقديرات، التي إنما عَدَلَ عنها المتكلِّمُ لما في ذِكْرها من التكَلُّفِ، فقدَّر المُتكَلِّفون لنطقه ما فَرَّ منه، وألزموه بما رَغِبَ عنه، وهذا كثيرٌ في تقديرات النُّحاة التي لا تخطرُ ببال المتكلِّم أصلاً، ولا تقع في تراكيب الفصحاء، ولو سمعوها لاستهجنوها، وسنعقدُ -إن شاء الله- لهذا فصلاً مستقلاً (٢).

المثال الثالث عشر: قوله تعالى: {لَنْ يَضُرُّوكُمْ إِلَّا أَذًى} [آل عمران: ١١١] وتقديرُ الدُّخول في هذا أظهر؛ إذ المعنى: "لن يَنَالوا مِنْكمْ إلا أَذىً، وأما الضَّرَرُ فإنهم لن ينالوه منكم، وإن تَصْبِروا وَتتقوا


(١) (ظ): "من المقربين".
(٢) (ظ): "وسنعقد لها إن شاء الله تعالى فصلاً مستقلاً".