للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

السببُ إما من ذات العبد. وإما من خارج، ومورده ومنتهاه، إما نفسه وإما غيره = كان هنا أربعة أمور: شرٌّ مصدره من نفسه ويعود على نفسه تارة وعلى غيره أخرى، وشرٌّ مصدره من غيره وهو السبب فيه، ويعودُ على نفسه تارة في على غيره أخرى.

جمع النَّبيّ - صلى الله عليه وسلم - هذه المقامات الأربعة في الدعاء الذي علمه الصِّدِّيقَ أن يقولَه إذا أصبح وإذا أمسى، وإذا أخذ مضجعه: "اللَّهُمَّ فَاطِرَ السَّمواتِ والأَرْضِ، عَالِمَ الغَيْب والشَّهَادَةِ، رَبَّ كُلِّ شَيءٍ ومَلِيكَهُ، أَشْهَدُ أَنَّ لا إِلَهَ إلاّ أَنْتَ، أَعُوذُ بكَ مِن شَرِّ نَفْسي، وَشَرِّ الشَّيْطانِ وَشِرْكِهِ، وأَنْ أقْترِفَ عَلَى نَفْسِي سُوءًا أَوْ أَجُرَّهُ إِلى مُسْلِمٍ" (١) فذكر مصدَرَي الشَّرِّ وهما النفسُ والشيطانُ، وذكر مَوْرِدَيْهِ ونهايتيه، وهما: عودُه على النفس أو على أخيه المسلم، فجمع الحديثُ مصادرَ الشَّرِّ ومواردَهُ في أوجز لفظٍ وأخصرِه وأجمعِه وأبينِه.

فصل

فإذا عُرِفَ هذا فلْنَتَكَلَّمْ على الشُّرور المستعاذ منها في هاتين السورتين:

الشَّرُّ الأوَّل: العامِ في قوله: {مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ (٢)} و (ما)، هاهُنا موصولة ليس إلَّا، والشَّرُّ مسند في الآية إلى المخلوق المفعول، لا إلى خَلْق الرَّبِّ تعالى الذي هو فعلُه وتكوينُه، فإنه لا شرَّ فيه بوجهٍ ما، فإن الشَّرَّ لا يدخل في شيءٍ من صفاته ولا في أفعاله، كما لا


(١) أخرجه أبو داود رقم (٥٠٦٧)، والترمذي رقم (٣٣٩٢)، وابن حبان. "الإحسان": (٣/ ٢٤٢)، والحاكم: (١/ ٥١٣) وغيرهم من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
قال الترمذي: "حسن صحيح" وصححه ابن حبان والحاكم والذهبى.