للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عليه قلب معناه إلى الاستقبال، وبقي لفظه علي حاله، والتقدير الأول أفقه في العربية, لموافقته تصرف العرب في إقامتها الماضي مقام المستقبل، وتنزيلها المنتظر منزلة الواقع المتيقَّن، نحو: {أَتَى أَمْرُ اللَّهِ} [النحل: ١] {وَنُفِخَ فِي الصُّورِ} [الكهف: ٩٩] ونظائره، فإذا تقرر ذلك في الفعل المجرد فليفهم مثله في (١) المقارن لأداة الشرط، وأيضًا فإن تغيير الألفاظ أسهل عليهم من تغيير المعاني؛ لأنهم يتلاعبون بالألفاظ مع محافظتهم على المعنى، وأيضًا فإنهم: إذَا اعتزموا (٢) الشرط أتوا بأداته، ثم أتبعوها فعله يتلوه الجزاء. فإذا أتوا بالأداة جاءوا بعدها بالفعل، وكان حقه أن يكون مستقبلا لفظا ومعنى، فعدلوا عن لفظ المستقبل إلى لفظِ (٣) الماضي لما ذكرنا، فعَدَلوا من صيغة إلى صيغة، وعلى التقدير الثّاني؛ كأنهم وضعوا فعل الشرط والجزاء أولًا ماضيين، ثمَّ أدخلوا عليهما الأداة فانقلبا مستقبلَين، والترتيب والقصد يأبى ذلك، فتأمَّله.

المسألة الثانية (٤): قال تعالى حكاية (٥) عن عيسى -عليه الصلاة والسلام-: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} [المائدة: ١١٦] فهذا شرط دخل على ماضي اللفظ، وهو ماضي المعنى قطعًا؛ لأنَّ المسيحَ إما أن يكون صَدَر هذا الكلام منه بعد رفعه إلى السماء، أو يكون حكاية ما يقوله يوم القيامة، وعلى التقديرين، فإنما تعلق الشرط وجزاؤه بالماضي.


(١) سقطت من (ظ ود).
(٢) من (ظ ود) , و (ق): "اعترضوا" وفي المطبوعة: "أعربوا".
(٣) من (ق).
(٤) انظر: "الفروق": (١/ ٨٦).
(٥) من (ق).