للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

و {حَقُّ الْيَقِينِ} [الواقعة: ٩٥] فالعلم والحق مصدران مضافان إلى اليقين فكذلك العين، هكذا قال السُّهيليُّ.

وفيه نظر؛ لأن إضافة عين إلى اليقين من باب قولهم: نفسُ الشيءِ وذاته، فعين اليقين نفس اليقين. والعين التي هي عضو سُمِّيت عينًا؛ لأنها آلة ومحل لهذه الصفة التي هل العين، وهذا من باب قولهم: "امرأة ضيفٌ وعدلٌ" تسمية للفاعل باسم المصدر، والعين التي هي حقيقة الشيء ونفسه من باب تسمية المفعول، بالمصدر كصَيْدٍ.

قال السهيلي (١): إذا علمت هذا فاعلم أنَّ العين أضيفت إلى الباري تعالى كقوله تعالى: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: ٣٩] حقيقة لا مجازًا، كما توهم أكثر الناس، لأنه صفة في معنى الرؤية والإدراك، وإنما المجازُ في تسمية العضو بها، وكلُّ شيء يوهم الكفرَ والتجسيمَ فلا يضاف إلى الباري -سبحانه- لا حقيقةً ولا مجازًا. ألا ترى كيف كفر الرومية من النصارى (٢) حيث قالوا في عيسى: إنه ولدٌ، على المجاز لا على الحقيقة، فكفروا ولم يدروا (٣). ألا ترى كيف لم يضفِ سبحانه إلى نفسه ما هو في معنى عين الإنسان كالمقلة والحَدَقة حقيقة ولا مجازًا، نعم ولا لفظ الإبصار؛ لأنه لا يُعْطي معنى البصر والرؤية مجرَّدًا، ولكنه يقتضي مع معنى البصر معنى التحديق والملاحظة ونحوهما.

قلت: كأنه رحمه الله غفل عن وصفه بالسميع والبصير، وغفل عن قوله - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح: "لأَحْرَقَتْ سبُحُاتُ وَجْهِهِ مَا أَدْرَكَه


(١) "النتائج": (ص/٢٩٢).
(٢) "من النصارى" ليست في (ق).
(٣) كذا، وفي "النتائج": "ولم يُعذَروا".