للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَصَرُه مِنْ خَلْقِهِ" (١).

وأما إلزامه التحديق والملاحظة ونحوها، فهو كإلزام المعتزلة نظيره في الرؤية، فهو منقول من هناك حرفًا بحرف.

وجوابه من وجوه:

أحدها: ما تعنى بالتحديق والملاحظة؟ معنى البصر والإدراك، أو قدرًا زائدًا عليهما غير ممتنع وصف الرَّبِّ به؟ أو معنى زائدًا يمتنع وصفه به؛ فإن عنيتَ الأولين؛ منعنا انتفاء اللازم، وإن عنيت الثالث؛ منعنا الملازمة، ولا سبيل إلى إثباتها بحال.

الثاني: أنَّ هذا التحديق والملاحظة إنما تلزم الصفة من جهة إضافتها إلى المخلوق لا تلزمها مضافة إلى الرب تعالى، وهذا كسائر خصائص صفات المخلوقين التي تطرَّقت الجهميةُ بها إلى نفي صفات الرب، وهذا من جهلهم وتلبيسهم، فإن خصائص صفات المخلوقين لا تلزم الصفة مضافةً إلى الربِّ تعالى، كما لا يلزم خصائص وجودهم وذواتهم، وهذا مقرَّر في موضعه. وهذا الأصل الذي فارق به أهل السنة طائفتي الضلال من المشبِّهة والمعطِّلة فعليكَ بمراعاته.

الثالث: قوله: "لا يعطي الإبصار معنى البصر والرؤية مجرَّدًا" كلامٌ لا حاصل تحته ولا تحقيق، فإنه قد تقرر عقلًا (٢) ونقلا أن لله تعالى صفة البصر ثابتة له كصفة السمع، فإن كان لفظ الإبصار لا يُعطى الرؤية مجرَّدة، فكذلك لفظ السمع، وإن أعطى السمعُ إدراك المسموعات مجرَّدًا، فكذلك البصر، فالتفريق بينهما تحكُّم مَحْض.


(١) أخرجه مسلم رقم (١٧٩) من حديث أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-.
(٢) تحرفت في (ظ) إلى: "قولًا"، و (د): "قولًا وعقلًا".