للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وأقام عذره بقوله: {فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ} [البقرة: ٣٦]، وتداركه برحمتِه (١) بقوله: {ثُمَّ اجْتَبَاهُ رَبُّهُ فَتَابَ عَلَيْهِ وَهَدَى} [طه: ١٢٢] يا آدم: لا تجزع من كأس خَطَأٍ كان سببَ كَيْسِكَ، فقد استخرجَ منك داءَ العجب وألبسك رداءَ العبودية: "لو لم تذنبوا".

لا تحزنْ بقولِي لك: {اهْبِطُواْ مِنْهَا} فلك خلقتُها، ولكن اخرجْ إلى مزرعة المُجاهدة: واجتهد في البَذْر، واسقِ شجرةَ النَّدَمِ بساقية الدمع؛ فإذا عاد العُودُ أخضرَ فَعُدْ لما كان (٢).

* * *

* منصب الخُلَّة منْصبٌ يقبل المزاحمَة بغير المحبوب، وأخْذُ الولد شعبةٌ من شعاب القلب. غار الحبيبُ على خليله أن يُسْكِنَ غيرَهُ في شُعْبة من شِعَاب قلبه فأمره في بذبحه، فلما أسلم للامتثال خرجت تلك المزاحمة، وخَلَصتِ المحبَّةُ لأهلها، فجاءته البشرى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (١٠٧)}.

ليس المراد أن يُعَذَّب، ولكن يُبْتلى ليُهَذَّبَ.

ليس العجبُ من أَمْرِ الخليل بذبح الولد، إنما العجبُ من مباشرة الذبح بيده، ولولا الاستغراق في حبِّ الآمِرِ؛ لَمَا هان مثلُ هذا المأمور، فلذلك جُعِلتْ أَثارُهما مثابةً للقلوب تحِنُّ إليها أعظمَ من حنين الطيور إلى أوكارها (٣).

* * *


(١) (ع): "وتدركه الشيطان برحمة"! وهو سبق قلم.
(٢) بنحوه في "المدهش": (ص/ ٧٧).
(٣) الفقرة الأخيرة في "المدهش" (ص/ ٨٧).