للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فهذه أربع مسائل حقُّها أن تُقَدَّم أولًا؛ ولكن جرَّ الكلام إليها بعد ترتيب المسائل الستة عشر.

فالجواب بعون الله وتعليمه، أنه لا علم لأحدٍ من عباده إلا ما علمه، ولا قوة له إلا بإعانته.

أما المسألة الأولى: وهي فائدة البدل في (١) الدعاء: أن الآية وردت في معرض التعليم للعباد والدعاء، وحَقُّ الداعي أن يستشعر عند دعائها ما يجب عليه اعتقاده مما لا يتم الإيمان إلا به؛ إذ "الدعاء مُخُّ العبادة" والمخُّ لا يكون إلا في عظم، والعظم لا يكون إلا في لحم ودم، فإذا وجب إحضار معتقدات الإيمان عند الدعاء، ووجبَ أن يكون الطلب ممزوجًا بالثناء، فمن ثَمَّ جاء لفظ الطلب للهداية، والرغبة فيها مَشُوبًا بالخير تصريحًا من الداعي بمعتقده، وتوسُّلًا منه بذلك الاعتقاد الصحيح إلى ربه، فكأنه متوسل إليه بإيمانه واعتقاده: أن صراطه الحق هو الصراط المستقيم، وأنه صراط الذين اختصَّهم بنعمته وحَبَاهم بكرامته. فإذا قال: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ} (٢)، والمخالفون للحقِّ يزعمون أنهم على الصراط المستقيم أيضًا، والداعي يجب عليه اعتقاد خلافهم وإظهار الحق الذي في نفسه، فلذلك أبدل وبيَّن لهم ليمرِّن اللسان على ما اعتقده الجنان.

ففي ضمن هذا الدعاء المهم الإخبارُ بفائدتين جليلتين؛ إحداهما: فائدة الخبر، والثانية: فائدة لازم الخبر.

فأما فائدة الخبر فهي: الإخبار عنه بالاستقامة وأنه الصراط


(١) (ظ ود): "من".
(٢) من قوله: "وأنه صراط ... " إلى هنا ساقط من (ق).