وأما المسألة التاسعة عشرة: وهي الإتيان بالضمير في قوله: {اهْدِنَا الصِّرَاطَ} ضمير جمع؛ فقد قال بعض الناس في جوابه: إن كلَّ عضو من أعضاء العبد، وكلَّ حاسَّةٍ ظاهرة وباطنة مفتقِرَة إلى هداية خاصة به، فأتى بصيغة الجمع تنزيلًا لكلِّ عضو من أعضائه منزلة المسترشد الطالب لهداه.
وعرضتُ هذا الجواب على شيخ الإسلام ابن تيمية -قدس الله روحَه- فاستركَّه واستضْعَفَه جدًّا ولم يرضه (١)، وهو كما قال، فإن الإنسان اسم للجملة لا لكلِّ جزءٍ من أجزائه وعضو من أعضائه، والقائل إذا قال:"اغفر لي وارحمني واجبرني وأصلحني واهدني"، سائلٌ من الله ما يحصل لجملته ظاهِرِه وباطِنِه، فلا يحتاج أن يستشعر لكل عضو مسألةً تخصه يُفْرِد لها لفظة.
فالصواب أن يقال: هذا مطابق لقوله: {إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ (٥)} والإتيان بضمير الجمع في الموضعين أحسن وأفخم، فإن المقام مقام عبودية وافتقار إلى الرب -تعالى- وإقرار بالفاقة إلى عبودية واستعانته وهدايته، فأتى فيه بصيغة ضمير الجمع، أي: نحن معاشر عبيدك مُقرون لك بالعبودية، وهذا كما يقول العبد للملك المعظَّم شأنه:"نحن عبيدك ومماليكك وتحت طاعتك ولا نخالف أمرك"، فيكون هذا أحسن وأعظم موقعًا عند الملك من أن يقول:"أنا عبدك ومملوكك"، ولهذا لو قال:"أنا وحدي مملوكك"، استدعى مَقْته، فإذا قال: "أنا وكل من في البلد