للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فاقتضى هذا الاختصاصُ الاختصاصَ الآخر في قوله: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه: ٣٩] فإن هذه الإضافة إضافة تخصيص.

وأما قوله تعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر: ١٤] {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا} [هود: ٣٧] فليس فيه من الاختصاص ما في صُنْع موسى على عينه -سبحانه- واصطناعه إياه لنفسه، وما يسنده -سبحانه- إلى نفسه بصيغة ضمير الجمع قد (١) يريد به ملائكته، كقوله تعالى: {فَإِذَا قَرَأْنَاهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ} [القيامة: ١٨] وقوله تعالى: {نَحْنُ نَقُصُّ عَلَيْكَ} [يوسف: ٣] ونظائره فتأمله.

قال: "وأما "النفس" فعلى أصل موضوعها، إنما هي عبارة عن حقيقة الموجود دون معنًى زائد، وقد استُعْمِل -أيضًا- من لفظها: النفاسةُ والشيء النفيس، فصَلُحَت للتعبير عنه -سبحانه- بخلاف ما تقدم من الألفاظ المجازية.

وأما "الذات" فقد استهوى أكثر الناس -ولا سيما المتكلِّمين- القولُ فيها، أنها في معنى النفس والحقيقة. ويقولون: ذات الباري هي نفسه، ويعبرون بها عن وجوده وحقيقته، ويحتجون في إطلاق ذلك بقوله - صلى الله عليه وسلم -: في قصة إبراهيم: "ثَلاثُ كَذَباتٍ كُلُّهُنَّ في ذَاتِ اللهِ" (٢) وقول خبيب (٣):


(١) ليست في (ق).
(٢) أخرجه البخاري رقم (٢٢١٧ و ٣٣٥٧)، ومسلم رقم (٢٣٧١) من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه-.
(٣) هو: خُبيب بن عدي الأنصاري -رضي الله عنه- كان ممن أُسِر يوم الرَّجيع، ثم صلبته قريش، فقال قبل ذلك قصيدته المشهورة، ومنها:
وذلك في ذاتِ الإلَهِ وإن يَشَأْ ... يُبارِك على أَوْصَالِ شِلْوٍ مُمَزَّعِ
انظر " صحيح البخاري" رقم (٣٠٤٥)، و" السيرة النبوية": (٢/ ١٧٦).