للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بهذا إعجازُ القرآن وعَظَمَتُه وجلالته، وأن العِبَاد لا يَقْدُرون قَدْره, وأنه: {تَنْزِيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ (٤٢)} [فصلت: ٤٢]

فصل

الشرُّ الثالث: شر النفاثات في العقد, وهذا الشَّرُّ هو شر السحر, فإن النَّفَّاثات في العُقَد هن: السواحِرُ اللاتي يعقدْنَ الخيوطَ, وينفثْنَ على كلِّ عقدة, حتى ينعقدَ ما يُرِدنَ من السِّحر, والنفث هو: النفخ مع رِيقٍ, وهو دونَ التَّفْل, وهو مرتبةٌ بينهما, والنفثُ: فعلُ الساحر, فإذا تكيَّفَتْ نفسُه بالخبث والشر الذي يريدهُ بالمسحور ويستعينُ عليه بالأرواح الخبيثة نفخَ (١) في تلك العُقَد نفخًا معه ريقٌ فيخرج من نَفْسِه الخبيثة نَفَسٌ ممازجٌ للشر والأذى, مقترنٌ بالرِّيق الممازج لذلك, وقد تَسَاعَدَ هو والرُّوح الشيطانية على أذى المسحور, فيقع فيه السِّحْرُ بإذن الله الكونيّ القَدَري لا الأمريّ الشرعي.

فإن قيل: فالسحرُ يكونُ من الذكور والإناث, فَلِمَ خصَّ الاستعاذةَ من الإناث دونَ الذكور؟

قيل في جوابه: إن هذا خَرَج على السَّبب الواقع, وهو أن بنات لَبِيد بن الأعصم سَحَرْنَ النبيَّ - صلى الله عليه وسلم -. هذا جوابُ أبي عبيدة وغيره (٢)، وليس هذا بسديد فإن الذي سَحَرَ النبي - صلى الله عليه وسلم - هو لبِيدُ بنُ أعصَمَ كما جاء في "الصحيح".

والجوابُ المحقَّقُ: أنَّ النَّفَّاثات هنا هنَّ الأرواحُ والأنفس النفَّاثات لا النساءُ النَّفَّاثَاتُ, لأن تأثير السحر إنما هو من جهة الأنفس الخبيثة


(١) (ظ ود): "نفث".
(٢) انظر: "زاد المسير": (٩/ ٢٧٥)، و"فتح القدير": (٥/ ٥٢١).