للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فائدة بديعة (١)

لا يجوز إضمار حرف العطف، خلافًا للفارسي ومن تبعه، لأن الحروف أدلة على معان في نفس المتكلم، فلو أضمرت لاحتاج المخاطب إلى وحي يُسفر له عما في نفس مُكَلِّمه. وحكم حروف العطف في هذا حكم حروف النفي والتوكيد والتمنِّي والترجي والتمني (٢) وغيرهما، اللهم إلا أن حروف الاستفهام قد يسوغ إضمارها في بعض المواطن؛ لأن للمستفهم هيئة تخالف هيئة المخبر، وهذا على ما قلته.

فإن قيل: فكيف تصنعون بقول الشاعر:

كَيْفَ أَصْبَحْتَ كَيْفَ أَمْسَيْتَ مِمَّا ... يُثْبِتُ الوُدَّ فِيْ فُؤادِ الكَرِيْمِ (٣)

أليس على إضمار حرف العطف، وأصله: كيف أصبحت وكيف أمسيت.

؟.

قيل: ليس كذلك، وليس حرف العطف مرادًا هنا ألبتة، ولو كان مرادًا لانتقض الغرض الذي أراده الشاعر؛ لأنه لم يُرِد انحصار الوُد في هاتين الكلمتين من غير مواظبة عليهما، بل أراد [أن] تكرار هاتين الكلمتين دائمًا يُثبت المودة، ولولا حذف "الواو" لانحصر إثبات الود في هاتين الكلمتين من غير مواظبة الكلام (٤) ولا استمرار عليه، ولم يُرِد الشاعرُ ذلك، وإنما أراد أن يجعل أول الكلام ترجمة على سائر الباب، يريد الاستمرار على هذا الكلام والمواظبة عليه، كما تقول:


(١) "نتائج الفكر": (ص/ ٢٦٣).
(٢) (ظ ود): "والنهي والزجر" وهو تحريف.
(٣) لا يعرف قائله، انظره في "الخصائص": (١/ ٢٩٠) لابن جني.
(٤) من قوله: "عليهما، بل ... " إلى هنا ساقط من (د).