للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

يُنْضِي الرَّجلُ بعيرَهُ في السَّفَر" (١)؛ لأنه كلما اعترضه صبَّ عليه سياطَ الذِّكر والتَّوجُّه والاستغفار والطاعة، فشيطانُه معه في عذاب شديد، ليس بمنزلة شيطان الفاجر الذي هو معه في راحةٍ ودَعَة، ولهذا يكون قويًّا (٢) عاتيًا شديدًا.

فمن لم يعذبْ شيطانَه في هذه الدار بذكر الله تعالى وتوحيدِه واستغفارِه وطاعته، عذبه شيطانُه في الآخرة بعذاب النار، فلا بُدَّ لكل أحدٍ أن يُعَذِّبَ شيطانَه أو يُعَذِّبُه شيطانُه.

وتأمل كيف جاء بناءُ الوسواس مكرَّرًا لتكريره الوسوسة الواحدة مرارًا، حتى يعزمَ عليها العبد، وجاء بناء "الخناس" على وزن "الفَعَّال" الذي يتكرَّر منه نوع الفعل؛ لأنه كلَّما ذكر الله انخنسَ، ثم إذا غفل العبدُ عاوده بالوسوسة، فجاء بناءُ اللفظين مطابقًا لمعنييها.

فصل

وقوله: {الَّذِي يُوَسْوِسُ فِي صُدُورِ النَّاسِ (٥)} [الناس: ٥] صفةٌ ثالثة للشيطان، فذكر وسوستَه أولًا، ثم ذكر محلَّها ثانيًا، وأنها في صدور الناس، وقد جعل اللهُ للشّيطان دخولًا في جوف العبد، ونفوذًا إلى قلبه وصدره، فهو يجري منه مجرى الدَّمِ، وقد وُكِلَ بالعبد فلا يفارقُه إلى الممات.


(١) جاء هذا في حديث مرفوع إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - من حديث أبى هريرة، أخرجه أحمد: (١٤/ ٥٠٤ رقم ٨٩٤٠)، وابن أبى الدنيا في "مكايد الشيطان" والحكيم الترمذي -كما في "الجامع الصغير- مع الفيض": ٢/ ٣٨٥ - وفي سنده ابن لهيعة وهو ضعيف.
(٢) ليست في (ع).