للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الفصل الأول

اعلم أن لفظ "عاذ" وما تصرف منها تدل على التحرُّز (ظ / ١٢٨ ب) والتحصّن والالتجاء (١)، وحقيقة معناها: الهروب من شيءٍ تخافه إلى من يعصمك منه، ولهذا يسمى المستعاذ به: "مَعَاذًا"، كما يسمى "ملجأ ووَزَرًا".

وفي الحديث: أن ابنةَ الجَوْن لما أدخِلت على النبيِّ - صلى الله عليه وسلم - فوضع يده عليها، قالت: أعوذُ باللهِ منكَ، فقال لها: "لقد عذْتِ بِمَعَاذٍ الحَقِي بأهْلِكِ" (٢). فمعنى "أَعوذُ": ألتجئ وأعتصِم وأتحرز، وفي أصله قولان؛ أحدهما: أنه مأخوذ من الستر. والثاني: أنه مأخوذ من لزوم المجاورة.

فأما من قال: إنه مأخوذ من الستر، قال: العرب تقول للنبت الذي في أصل الشجرة التي قد استتر بها: "عُوَّذ" بضم العين وتشديد الواو وفتحها، فكأنه لما عاذ بالشجرة واستتر بأصلها وظِلها سموه "عُوَّذا"، فكذلك العائذ قد استتر من عدوه بمن استعاذ به منه، واستجنَّ به منه.

ومن قال: هو من (٣) لزوم المجاورة، قال: العرب تقول للحْمِ إذا لَصِق بالعظم فلم يتخلص منه "عُوذ"؛ لأنه اعتصم به واستمسك به، فكذلك العائد قد استمسك بالمعَاذ (٤)، واعتصم به ولزمه.


(١) (ظ): "والنجاة"، (د): "التخلص والنجاة".
(٢) أخرجه البخاري رقم (٥٢٥٥) من حديث أبي أُسيد الساعدي -رضي الله عنه-.
(٣) من (ق).
(٤) كذا في الأصول: "المعاذ"، وفي "المنيرية": "المستعاذ به".