للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الحال بالحال، ومما يدُلُّك على هذا أنك تجدُ مثلِ هذا صالحًا وقوعُه جوابًا لـ (كيف)، فإذا قيل: كيفَ أدعوه؟ قيل: تَضرُّعًا وخُفْيةً، وتجد اقتضاءَ (كيف) لهذا أشدَّ من اقتضاء: (لِمَ) (١)، ولو كان مفعولًا له لكان جوابًا لـ: (لِمَ)، ولا تحسنُ هنا، ألا ترى أن المعنى ليس عليه، فإنه لا يصِحُّ أن يقال: لمَ أدعوه؟ فيقول: تضرُّعًا وخُفية، وهذا واضحٌ، ولا هو انتصابٌ على المصدر المبيِّن للنَّوع الذي لا يتقيَّدُ به الفاعلُ لما ذكرنا من صلاحيَّته، جوابًا لـ (كيف).

وبالجملة؛ فالمصدريَّة في هذا الباب لا تُنافي الحالَ، بل الإتيانُ بالحال هاهنا بلفظ المصدر يُفيد ما يُفيده المصدرُ مع زيادة فائدة الحال، فهو أتمُّ معنىً ولا تنَافِيَ بينهما، والله أعلم.

فصل

وقوله تعالى: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}، فيه تنبيهٌ ظاهرٌ على أن فعلَ هذا المأمور به هو الإحسانُ المطلوبُ منكم، ومطلوبُكم أنتم من الله هو رحمته (٢)، ورحمتُه قريبٌ من المحسنين، الذين فعلوا ما أُمِروا به من دعائه خوفًا وطمعًا، فقربُ (٣) مطلوبكم منكم وهو الرَّحمةُ، بحسب أدائكم لمطلوبه منكم وهو الإحسان، الذي هو في الحقيقة إحسانٌ إلى أنفسكم، فإن الله تعالى هو الغني الحميد، وإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم.

وقوله: {إِنَّ رَحْمَتَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}، له دلالة ٌبمنطوقه،


(١) وقع في (ع) في جميع المواضع: "كم" وفي الموضع: الثاني وحده وقع "كم" فى (ق وع وظ) وهو خطأ.
(٢) هذه الجملة سقطت من (ق).
(٣) (ق وظ ود): "يقرب".