من الناس ويدعونهم إلى كتاب ربهم وسنة نبيهم، إلى غير ذلك من الأخلاق التي ذم بها اليهود من الكِبْر والليّ والكتمان والتحريف (١) والتحيُّل على محارم الله، وتلبيس الحق بالباطل، فهذا شَبَهُه باليهود ظاهر.
وأما من فَسَد من العُبَّاد فعبد الله بمقتضى هواه لا بما بعث به رسوله، وغلا في الشيوخ فأنزلهم منزلةَ الربوبية، وجاوز ذلك إلى نوعٍ من الحُلول أو الاتحاد فشَبَهُه بالنصارى ظاهر.
فعلى المسلم أن يبعد من هذين الشَّبَهَين غايةَ البعد، ومن تصوَّر الشَّبَهَيْن والوَصْفين وعلم أحوالَ الخلق علم ضرورته وفاقته إلى هذا الدعاء الذي ليس للعبد دعاء أنفع منه ولا أوجب منه عليه، وأن حاجته إليه أعظم من حاجته إلى الحياة والنَّفَس؛ لأن غاية ما يُقَدَّر بفوتهما موته، وهذا يحصل له بفَوْته شقاوة الأبد، فنسأل الله أن يهدينا الصراطَ المستقيم صراط الذين أنعم عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين آمين، إِنه قريبٌ مجيبٌ.
فصل
وأما المسألة الثالثة عشرة: وهو تقديم "المغضوب عليهم" على "الضالين"؛ فلوجوه عديدة:
أحدها: أنهم مقدَّمون عليهم بالزمان.
الثاني: أنهم كانوا هم الذين يَلُون النبيَّ - صلى الله عليه وسلم - من أهل الكتابين، فإنهم كانوا جيرانه في المدينة، والنصارى كانت ديارهم نائية عنه،