للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تتعلَّقُ به المؤاخذةُ.

وأحسن من هذا -عندي- أن يقال: لما نهى -سبحانه- عن نِكاح مَنْكوحاتِ الآباءِ، أفادَ ذلك أن وَطْئَهنَّ بعد التحريم لا يكون نكاحًا أَلْبتة، بل لا يكون إلا سفاحًا, فلا يترتب عليه أحكامُ النكاح من ثُبوت الفراش ولحوق النسب، بل الوَلَدُ فيه يكونُ وَلَدَ زنْيَةٍ، وليس هذا حكمَ ما سلف قبل التحريم, فإن الفراشَ كان ثابتًا فيه، والنسب لاحق، فأفاد الاستثناءُ فائدةً جليلةً عظيمةً، وهي: أن وَلَدَ مَنْ نكَحَ ما نكح (١) أبُوه قبلَ التحريم ثابتُ النسبِ، وليس ولدَ زِنا، والله أعلم.

المثال الخامس: قوله تعالى: {لَا يَتَّخِذِ الْمُؤْمِنُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ فَلَيْسَ مِنَ اللَّهِ فِي شَيْءٍ إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً} [آل عمران: ٢٨] ومعلوم أن التقاة ليستْ بموالاة، ولكن لما نهاهم عن مُوالاة الكفار اقتضى ذلك معاداتَهم والبراءةَ منهم ومجاهَرَتَهُم بالعداوة في كلِّ حال، إلَاّ إذا خافوا من شرِّهم، فأباح لهم التَّقيَّةَ، وليست التَّقِيَّةُ موالاةً لهم.

والدخولُ هاهنا ظاهر، فهو إخراجٌ من مُتَوَهَّمٍ غيرِ مُرادٍ.

المثال السادس: قوله تعالى: {لَسْتَ عَلَيْهِمْ بِمُصَيْطِرٍ (٢٢) إِلَّا مَنْ تَوَلَّى وَكَفَرَ (٢٣) فَيُعَذِّبُهُ اللَّهُ الْعَذَابَ الْأَكْبَرَ (٢٤)} (٢) فهذا من المنقطع لا بالاعتبار الذي ذكره ابنُ خروف؛ من كون المستثنى جملةً مستقلةً، بل باعتبار آخر, وهو: أنه ليس المرادُ إثباتَ المسيطرية (٣) على الكفار, فإن اللهَ


(١) "ما نكح" ليست فى (ع).
(٢) الآية الثالثة من (ع) وحدها.
(٣) كذا بالأصول.