للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أفرغَتْ وصُورة أُبْرِزتْ ظهرتْ صحيحة، وهذا شأن موادِّ براهينِ القرآن في أي صُورةٍ أبرزتَها ظهرتْ في غايةِ الصِّحَّةِ والبيان، فالحمدُ لله المانِّ بالهُدى على عبادِهِ المؤمنينَ.

[فصل]

وتأمَّلْ قولَه تعالى في هذه الآية: {وَلَمَّا جَاءَهُمْ كِتَابٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ مُصَدِّقٌ لِمَا مَعَهُمْ} [البقرة: ١٠١]، كيف تجد تحتَهُ برهاناً عظيمًا على صِدْقِهِ، وهو مجيءُ الرسولِ (ق/٣٦٩ ب) الثاني بما يطابق ما جاء به الرَّسولُ الأوَّلُ، ويُصَدِّقُهُ مع تباعِدِ زمانِهما، وشهادَة أعدائِه، وإقرارِهم له بأنه لم يَتلَقَّهُ من بَشَرٍ، ولهذا كانوا يمتحنونهُ بَأشياءَ يعلمون أنه لا يُخبِرُ بها إلَّا نَبِيٌّ أو من أَخَذ عنه، وهم يعلمون أنه لم يأخذ عن أحدٍ ألبتةَ، ولو كان ذلك لوجد أعداؤه السبيلَ إلى الطعنِ عليه، ولعارضوه بمثل ما جاء به؛ إذ من الممكنِ أن لو كان ما جاء به مأخوذاً. عن بَشَر أن يأخذوا هم عن مَلَك (١) أو عن نظيرهِ فيعارضوا ما جاء به.

والمقصودُ أن مطابقةَ ما جاء به لِما أخبَرَ به الرَّسُولُ الأوَّلُ، من غير مواطَأة ولا تَشاعُرٍ ولا تَلَق منه، ولا ممن أخذ عنه، دليلٌ قاطعٌ على صدقِ الرَّسُولَيْنِ معًا.

ونظيرُ هذا: أن يشهدَ رجل بشهادةٍ، فيخبر فيها بما يقطعُ به أنه صادقٌ في شهادتِهِ صدقاً لا يتطرَّقُ إليه شُبْهَةٌ، فيجيءُ آخرُ من بلادٍ أخرى لم يجتمعْ بالأوَّل، ولم يَتَواطَأ معه، فيخبِرُ بنظيرِ تلك الشهادةِ سواءً، مع القَطْعِ بأنه لم يجتمعْ به، ولا تَلَقّاها عن أحدٍ اجتمعَ به، فهذا يكفي في صدقةٍ إذا تجرَّد الإخبار، فكيف إذا اقترنَ بأدِلَّة يقطعُ


(١) (ق وظ): "ذلك".