للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومثله قوله تعالى: {وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ} [الجاثية: ٢٤] ليس المُرَادُ به نفيَ الحكم الجازم وإثبات الحكم الرَّاجح، بل المرادُ نفيُ العلمِ وإثباتُ ضِدِّه، وهو الشَكُّ الذي لا يُغني عن صاحبه شيئًا، وستزيد الأمثلة هذا وضوحًا (١).

المثال الثاني: قوله تعالى: {إِنَّ عِبَادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطَانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغَاوِينَ (٤٢)} [الحجر: ٤٢] فهذا استثناءٌ منقطعٌ؛ لأن أَتباعَهُ الغَاوِينَ لم يدخلوا في عبادِه المضافين إليه، وإن دخلوا في مُطلق العِباد، فإن الإضافةَ فيها معنى التَّخصيص والتَّشريف، كما لم تدخل الخانات والحمامات في بيوت الله، قال تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا} [الفرقان: ٦٣] إلى آخر الآيات، وقال: {عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ} فعبادُه المضافونَ إليه هم الذين آمنوا، وعلى ربَهم يتوكَّلون، قال تعالى: {إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطَانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٩٩)} [النحل: ٩٩] {يَاعِبَادِ لَا خَوْفٌ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ وَلَا أَنْتُمْ تَحْزَنُونَ (٦٨) الَّذِينَ آمَنُوا بِآيَاتِنَا وَكَانُوا مُسْلِمِينَ (٦٩)} [الزخرف: ٦٨ - ٦٩].

ومن هذا قوله تعالى: {قُلْ يَاعِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا} [الزمر: ٥٣] فعباده هاهنا الذين يغفرُ ذنوبهم جميعًا هم المؤمنون التائبون، والانقطاع في هذا قول ابن خروف وهو الصَّوابُ.

وقال الزمخشريُّ (٢): هو مُتَّصِلٌ، وجعل لفظ العباد عامًّا، وقد عرفتَ غَلَطَهُ، وعلى تقدير الانقطاع فإن لم يُقَدَّرْ دخولُه في الأول


(١) (ظ): "والمذكور من الأمثلة يزيد هذا وضوحًا".
(٢) "الكشاف": (٢/ ٣١٤).