للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلما دخلت "لا" عُلِم أنهما صنفان متغايران مقصودان بالذكر، وكانت "لا" أولى بهذا المعنى من "غير" لوجوه؛ أحدها: أنها أقل حروفًا، الثاني: التفادي من تَكْرار اللفظ، الثالث: الثقل الحاصل بالنطق بـ "غير" مرتين من غير فَصْل إلا بكلمةٍ مفردة، ولا ريب أنه ثقيل على اللسان، الرابع: أن "لا" إنما يُعْطَف بها بعد النفي، فالإتيان بها مُؤْذِن بنفي الغضب عن أصحاب الصراط المستقيم، كما نُفِيَ عنهم الضلال، و"غيرُ" وإن أفهمت هذا فـ "لا" أدخلُ في النفي منها، وقد عُرِف بهذا جواب المسألة السادسة عشرة، وهي: أن "لا" إنما يُعْطَف بها في النفي.

فصل

وأما المسألة السابعة عشرة: وهى أن الهداية هنا من أي أنواع الهدايات؛ فاعلم أن أنواع الهداية أربعة:

أحدها: الهداية العامة المشتركة بين الخلق، المذكورة في قوله: {الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى (٥٠)} [طه ت ٥٠] أي: أعطى كلَّ شيء صورتَه التي لا يشتبه فيها بغيره، وأعطى كلَّ عضو شكلَه وهيأتَه، وأعطى كل موجود خلقَه المختص به، ثم هداه إلى ما خلقه له من الأعمال، وهذه الهداية تعمُّ هِداية (١) الحيوان المتحرِّك بإرادته إلى جَلْب ما ينفعه ودَفْع ما يضره، وهداية الجماد المسخَّر لما خُلِق له، فله هداية تليق به، كما أن لكلِّ نوع من الحيوان هداية تليق به، وإن اختلفت أنواعها وصورها (٢)، وكذلك لكل عضو هدايةٌ تليقُ به،


(١) "تعم هداية" سقطت من (ظ ود).
(٢) (ق): "وضروبها".