للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بها بأنه صادقٌ أعظمَ من الأدِلَّةِ التي اقترنتْ بخبر الأوَّلِ!؟ فيكفي في العلم بصدقِ الثاني مطابقةُ خبرِه لخبر الأوَّلِ، فكيف إذا بَشَّرَ به الأولُ؟! فكيف إذا اقترن بالثاني من البراهين الدّالَّةِ على صدقِهِ نظيرُ ما اقترنَ بالأولِ وأقوى منها؟!.

[فصل]

* ومن ذلك قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقًا لِمَا مَعَهُمْ قُلْ فَلِمَ تَقْتُلُونَ أَنْبِيَاءَ اللَّهِ مِنْ قَبْلُ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٩١)} [البقرة: ٩١].

هذه حكايةُ مناظرةِ بينَ الرَّسول - صلى الله عليه وسلم - وبينَ اليهود لمّا قال لهم: {آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ}، فأجابوه بأن قالوا: {نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا}، ومرادهُم بهذا التخصيص: أن نؤمنَ بالمُنْزَل علينا دونَ غيرِه، فظهرت عليهم الحُجَّةُ بقولهم هذا من وجهين؛ دَلَّ عليهما قولُه تعالى: ...... } إلى آخر الآية.

قال: إن كنتم قد آمنتم بما أُنْزِلَ عليكم (١) لأنه حقٌّ، فقد وجَبَ عليكمْ أن تُؤمنوا (ظ/ ٢٥٧ أ) بما جاء به محمد لأنه حقٌّ مصدَّق لما معكم، وحُكْم الحقِّ الإيمان به أينَ كان، ومَعَ من كان، فلزمكم الإيمانُ بالحقَّيْنِ جميعًا أو الكفرُ الصُّراحُ.

وفي قوله: {وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ وَهُوَ الْحَقُّ} نكتةٌ بديعةٌ جدًا، وهي: أنهم لما كفروا به (ق/٣٧٠ أ) وهو حقّ، لم يكن إيمانهم بما أنزل عليهم، لأجل أنه حقّ، فإذا لم يَتَّبِعوا الحق فيما أنزل عليهم،


(١) من قوله: "قوله تعالى ... " إلى هنا ساقط من (ظ).