للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ذلك اليومِ للثَّوابِ والعقاب، والشفاعةُ للملائكة والأنبياء وغيرهم، لا تضبطُها قدرةُ الخَلْق، فكيف يُقالُ: ليس في الآخرة أمرٌ ولا نهيٌ حتى يقالَ: (لا يعصُونَ اللهَ مَا أَمَرَهم) في الدنيا؟! أَفترى اللهَ عزَّ وجلَّ لا يأمرُهم يوم القيامةِ في أهل النَّار بشيءٍ فلا يَعْصُونه فيه، نعم ليست الآخرةُ فى دارَ حَرْثٍ وإنما هي دارُ حَصَادٍ، وأوامرُ الربِّ ونواهيه ثابتةٌ في الدَّارين، وكذلك أوامر التَّكليف ثابتةٌ في البرزخ ويوم القيامة، وحكاه أبو الحسن الأشعري في "مقالاته" (١) عن أهل السنّة في تكليف من لم تبلغْه الدعوةُ في الدنيا أنه يُكَلَّف يومَ القيامة. فقولُ القائل: الآخرةُ (ظ/١٧٦ ب) ليست دارَ تكليفٍ ولا دار أمرٍ ونهي قولٌ باطل، ودعوى فاسدة، والله الموفق.

* قال: ذكر بعضهم أنه يجور أن يقول: أنا مؤمن، ولا يقول: أنا وَلِيٌّ. وفَرَّق بينهما، فإن الله تعالى أمرَ من ظهر منه الإيمان أن يسمَّى مؤمنًا، قال تعالى: {فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ} [الممتحنة: ١٠] الآية، ولم يأمُرْ من ظهر منه ذلك أن يسمَّى وَلِيًّا. ولا فَرْقَ بينهما فإن الله قد وصف الوَليَّ بصفة المؤمن، فقال: {وَمَا كَانُوا أَوْلِيَاءَهُ إِنْ أَوْلِيَاؤُهُ إِلَّا الْمُتَّقُونَ} [الأنفال: ٣٤] وهذه صفة المؤمن؛ ثم لا يجوزُ أن يصفَ نقسَه بأنه وَلِيٌّ، كذلك (٢) المؤمن؛ ولأنه إنما يكونُ وليًّا بتولِّيه لطاعات الله وقيامه بها كالمؤمن.

قلت: هذا حجَّةُ من منع قول القائل: "أنا مؤمنٌ" بدون الاستثناء، كما لا يقولُ: "أنا وَلِيٌّ"، ومن فرَّق بينهما أجاب: بأنه لا يمكنُه العلمُ


(١) لم أجده في المطبوع.
(٢) (ظ): "وكذلك".