للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

بَدَاءته بالصفا معلِّلاً ذلك بكون الله بدأ به، فلا ينبغي تأخيره، وهكذا يقول المرتبون للوضوء سواء: نحنُ نبدأ بما بدأَ اللهُ به، ولا يجوز تأخير ما قدَّمه الله، ويتعين البداءة بما بدأ الله به، وهذا هو الصَّواب لمواظبة المبيِّن عن اللهِ مراده - صلى الله عليه وسلم - على الوضوء المرتَّب، فاتفق جميعُ من نقل عنه وضوءَه كلُّهم على إيقاعه مرتباً، ولم يَنقل عنه أحدٌ قطُّ أنَّه أخلّ بالترتيب مرة واحدة، فلو كان الوضوء المنكوس مشروعاً لفعله، ولو في عمره مرَّة واحدة ليبيِّن جوازَه لأمَّته، وهذا بحمد الله واضح.

وأما تقديم النبيين على الصِّديقين؛ فلِمَا ذكره، ولكون الصِّديق تابعاً للنبي، فإنما استحقَّ اسم الصديق بكمال تصديقه للنبي، فهو تابع مَحْض، وتأمَّل تقديم الصديقين على الشهداء؛ لفضل الصديقين عليهم، وتقديم الشهداء على الصالحين؛ لفضلهم عليهم.

وأما تقديم السمع على البصر (١)؛ فهو متقدم عليه حيثُ وقعَ في القرآن مصدراً أو فعلاً أو اسماً.

فالأول: كقوله تعالى: {إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا} [الإسراء: ٣٦].

والثاني: كقوله تعالى: {إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى} [طه: ٤٦].

والثالث: كقوله تعالى: {سَمِيعٌ بَصِيرٌ} [الحج: ٦١]، {إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ} [غافر: ٥٦]، {وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا بَصِيرًا} [النساء: ١٣٤] فاحتجَّ بهذا من يقول: إن السمعَ أشرفُ من البصر، وهذا قول


(١) انظر للمسألة: ما سيأتي من الكتاب: (٣/ ١١٠٦)، و"مدارج السالكين": (٢/ ٤٢٤ وما بعدها)، و"مفتاح دار السعادة": (١/ ٣٥٤ - ٣٥٨)، و"الصواعق": (٣/ ٨٧٣ - ٨٧٤).