للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فلا تستهِنْ بهذا المسلك، فإنَّ له شأنًا، وهو متضمِّنٌ لسِرٍّ بديع من أسرار الكتاب، وما أظنُّ صاحبَ هذا المسلكِ قَصَدَ هذا المعنىَ ولا أَلَمَّ به، وإنما أراد أن الإخبار عن قُرْبِه تعالى من المحسنين كافٍ عن الإخبار عن (١) قُرْب رحمته منهم.

فهو مسلك سابع في الآية، وهو المختار، وهو من أَلْيَقِ ما قيلَ فيها، وإن شئتَ قلت: فُرْبُهُ تبارك وتعالى من المحسنين، وقُرْب رحمته منهم متلازمانِ، لا ينفكُّ أحدُهما عن الآخر، فإذا كانت رحمتُه قريبةً منهم فهو أيضًا قريبٌ منهم، وإذا كان المعنيانِ متلازمينِ صحَّ إرادةُ كلِّ واحد منهما (٢)، فكان في بيان قُرْبه سبحانه من المُحسنينَ من التَّحريض على الإحسان، واستدعائه من النفوس، وترغيبها فيه [غايةُ] (٣) حظٍّ لها وأشرفُه وأجلُّه على الإطلاق، وهو أفضلُ عطاءٍ أُعْطِيَهُ العبدُ، وهو قربه تبارك وتعالى من عبده الذي هو غايةُ الأماني، ونهاية الآمال، وقرَّة العيون، وحياة القلوب، وسعادة العبد كلها، فكان في العدولِ عن "قريبة" إلى "قريب" من استدعاء الإحسان وترغيب النفوس فيه ما لا يتخلَّفُ بعده إلا من غَلَبَتْ عليه شقاوَتُهُ، ولا قُوَّة إلا بالله تعالى.

فصل

المسلك الثامن: أن الرحمة مصدرٌ، (ق/٢١٧ أ) والمصادر كما لا تثنَّى ولا تجمع، فحقها أن لا تؤنث، وهذا المسلك ضعيف جدًّا،


(١) (ع وظ): "من".
(٢) من قوله: "فهو أيضًا ... " إلى هنا ساقط من (ع).
(٣) في النسخ: "بعامة" وغير بينّة في (ع) والمثبت من "المنيرية".