للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مثَّلوك بالشاعر مرة، والساحر أخرى، والمجنون مرة، والمسحور أخرى، فضلُّوا في جميع ذلك ضلالَ من يطلبُ في تِيْهه وتحيُّره (١) طريقًا يسلكه فلا يقدر عليه, فإنه أي طريق أخذَها فهي طريقُ ضلال وحيرة, فهو متحيِّر في أمره لا يهتدي سبيلًا, ولا يقدرُ على سلوكها فهذا (٢) حالُ أعداءِ رسول الله - صلى الله عليه وسلم - معه حتى ضربوا له أمثالًا بَرَّأَهُ الله منها, وهو أبعدُ خَلْقِ الله منها, وقد علم كلُّ عاقلٍ أنها كَذِبٌ وافتراءٌ وبهتانٌ.

وأما قولكم: "إن سحر الأنبياء يُنافي حمايةَ الله لهم وصيانته لهم [أن يُسْحَروا", فجوابه: أن ما يصيبهم من أذى أعدائهم لهم, وأذاهم إياهم لا ينافي حماية الله وصيانة لهم] (٣)؛ فإنه سبحانه كما يَحْميهم ويصونُهم ويحفظُهم ويتولَاّهُم فيبتليهم بما شاء من أذى الكفار لهم ليستوجبوا كمال كرامته, وليتسلَّى بهم من بعدهم من أُمَمِهم وخُلفائِهم إذا أُوذوا من النَّاس, فرأوا ما جرى على الرُّسُل والأنبياء, صبروا ورَضُوا وتأسَّوْا بهم, ولِتمتلِيءَ صاعُ الكفار فيستوجبون ما أُعِدَّ لهم من النكال العاجل والعقوبة الآجلة, فيمحقهم بسبب بَغْيهم وعداوتهم (٤) , فيعَجِّل تطهيرَ الأرض منهم, فهذا من بعض حكمته تعالى في ابتلاء أنبيائِه ورسله بأذى قومهم, وله الحكمةُ البالغةُ والنعمةُ السابغةُ, لا إلهَ غيرهُ, ولا رَبَّ سواه.

فصل

وقد دلَّ قوله تعالى: {وَمِنْ شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ (٤)} ,


(١) (ق): "في تيهٍ وغيره".
(٢) (ظ): "فكهذا".
(٣) ما بين المعكوفين ساقط من (ظ ود) والمطبوعات, ومستدرك من (ق).
(٤) (ق): "وعدوانهم".