للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مُعَلَّمُ السِّحر الذي قد علَّمه إيَّاه غيرُهُ، فالمسحور عنده بمعنى ساحر أي: عَلِم بالسحر (١) , وهذا جيِّد إن ساعدت عليه اللغة, وهو: أن من عَلِم السحر, يقال له: مسحور, ولا يكاد هذا يُعرف في الاستعمال, ولا في اللغة, وإنما المسحور من سحره غيرُه كالمطبوب والمضروب والمقتول وبابه, وأما من عَلِمَ السحر فإنما (٢) يقال له: ساحر, بمعنى: أنه عالمٌ بالسحر, وإن لم يَسْحَرْه غيره, كما قال قوم فرعون لموسى: {إِنَّ هَذَا لَسَاحِرٌ عَلِيمٌ (٣٤)} [الشعراء: ٣٤] ففرعون قذفه بكونه مسحورًا, وقومه قذفوه بكونه ساحرًا.

فالصَّواب هو الجوابُ الثالث, وهو جواب صاحب "الكشاف" (٣) وغيره: أن المسحور على بابه, وهوَ مَنْ سُحِرَ حتى جُنَّ, فقالوا: مسحورٌ, مثل مجنون زائل العقل لا يعقلُ ما يقولُ, فإنَّ المسحورَ الذي لا يُتَّبَعُ: هو الذي فسد عقلُه بحيث لا يدري ما يقولُ فهو كالمجنون, ولهذا قالوا فيه {مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤)} فأمّا من أُصِيب في بَدَنه بمرض من الأمراض يُصابُ به الناسُ فإنه لا يمنع ذلك من اتباعه وأعداء الرسل لم يقذفوهم بأمراض الأبدان, وإنما قذفوهم بما يحذرون به سفهاءَهم من اتِّبَاعهم, وهو أنهم قد سُحِروا حتى صاروا لا يعلمونَ ما يقولون بمنزلة المجانين, ولهذا قال تعالى: {انْظُرْ كَيْفَ ضَرَبُوا لَكَ الْأَمْثَالَ فَضَلُّوا فَلَا يَسْتَطِيعُونَ سَبِيلًا (٤٨)} [الإسراء: ٤٨]


= يا موسى ساحرًا، فوضع مفعول موضع فاعل، كما قيل: إنك مشئوم علينا وميمون، وإنما هو شائم ويامن ... والعرب قد تخرج فاعلًا بلفظ مفعول كثيرًا" اهـ.
(١) في "المنيرية": "عالم بالسحر".
(٢) (ظ): "فإنه".
(٣) (٢/ ٣٧٧).